غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (93)

87

عن أنس قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا فضيخ البسر والتمر ، فإذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت . قال : فجزت في سكك المدينة فقال أبو طلحة : اخرج فأرقها . فقالوا : قتل فلان وفلان وهي في بطونهم فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الطعم خلاف الشرب في الأغلب وقد يقع على المشروب كقوله تعالى { ومن لم يطعمه فإنه مني }

[ البقرة :249 ] فيجوز أن يكون المراد فيما شربوا من الخمر ، ويحتمل أن يكون معنى الطعم راجعاً إلى التلذذ بما يؤكل ويشرب جميعاً ، فقد تقول العرب : أطعم أي ذق . ونظير هذه الآية قوله في نسخ القبلة { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] والعامل في { إذا ما اتقوا } معنى الكلام المتقدم أي لا يأثمون في ذلك إذا اتقوا المحرمّات لأنهم شربوها حين كانت محللة . والمراد أن أولئك كانوا على هذه الصفة وهو ثناء عليهم وحمد لأحوالهم في الإيمان والتقوى والإحسان . وزعم بعض الجهلة أن هذا الحكم متعلق بالمستقبل وإلا قيل : لم يكن أو ما كان جناح مثل { وما كان الله ليضيع } [ البقرة :143 ] والمعنى لا جناح على من طعمها إذا لم يحصل معه العداوة والبغضاء وسائر المفاسد المذكورة بل حصل معه أنواع المصالح من الطاعة والتقوى والإحسان إلى الخلق . والجواب أن صيغة طعموا وهي المضي تأباه ، وأيضاً إن سبب نزول الآية يكذبه . روى أبو بكر الأصم أنه لما نزل تحريم الخمر قال أبو بكر : يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوا الخمر وأكلوا القمار ، وكيف بالغائبين عنا في البلاد لا يشعرون بتحريم الخمر وهم يطعمونها ؟ فنزلت . وعلى هذا فالحال قد ثبت فيما يستقبل لكن في حق الغائبين الذين لم يبلغهم هذا النص . ثم أنه سبحانه شرط في نفي الجناح حصول التقوى والإيمان مرتين ، وفي الثالثة التقوى والإحسان . فقال الأكثرون : الأول فعل الاتقاء ، والثاني دوامه والثبات عليه ، والثالث اتقاء ظلم العباد مع الإحسان إليهم . وقيل الأول اتقاء جميع المعاصي قبل نزول الآية ، والثاني اتقاء الخمر والميسر وما في هذه الآية ، والثالث اتقاء ما يحدث تحريمه بعد هذه الآية ، وهذا قول الأصم . وقيل : اتقوا الكفر ثم الكبائر ثم الصغائر . وقال القفال : الأول الاتقاء من القدح في صحة النسخ ليثبت تحريم الخمر بعد أن كانت مباحة ، والثاني الإتيان بالعمل المطابق للآية ، والثالث المداومة على التقوى مع الإحسان إلى الخلق .

/خ100