التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (93)

{ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( 93 ) } ( 93 ) .

تعليق على الآية :

{ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . } الخ

وما فيها من تلقين

عبارة الآية واضحة . وقد روى الطبري وغيره روايات عديدة مختلفة الصيغ متفقة في الجوهر أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما نزلت الآيات السابقة عن حالة الذين شربوا الخمر ، وأكلوا لحم ذبائح الميسر منهم ومن إخوانهم الذين ماتوا قبل نزولها فنزلت الآية .

والروايات لم ترد في الصحاح . ولكنها محتملة وتكون الآية بذلك متصلة بما سبقها اتصالا موضوعيا ، ولعلها نزلت عقبها مباشرة قبل أن ينزل قرآن آخر . والله أعلم .

وقد قال الطبري في شرح مدى الآية قولين جاء في واحد منهما أن الفقرة الأولى هي بسبيل رفع الحرج عن الذين أكلوا وشربوا قبل التحريم إذا ما آمنوا واتقوا وعملوا الصالحات وخافوا الله وراقبوه باجتنابهم محارمه وثبتوا على ذلك .

وجاء في ثانيهما أن الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله تعالى بالقبول والتصديق والعمل به . والثاني هو الاتقاء بالثبات على ذلك . والثالث بالإحسان والتقرب بنوافل الأعمال . وقال البغوي : إن الاتقاء الأول اتقاء الشرك ، والثاني بمعنى الدوام في الاتقاء ، والثالث الإحسان في الأعمال . ومما قاله الطبري أن الأول بالنسبة للذين ماتوا والثاني للذين ظلوا أحياء في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثالث للزمن المقبل .

وفي كل هذه الأقوال وجاهة . ولقد انطوت الآية على رفع الحرج عن المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما فعلوه ولم يكن محرما عند فعله . كما انطوت على تلقين مستمر المدى بكون المهم عند الله تعالى هو الإيمان والتصديق والاجتهاد في اتقاء حرمات الله ومحرماته واتباع أوامره واجتناب نواهيه والعمل الصالح والإحسان فيه ، ثم يتسامح الله عز وجل فيما يتناوله المؤمنون من مشروب ومطعوم بحسن نية وبغير قصد الإثم وبغير العلم بالإثم ، ولو كان في حقيقته فيه شبهة أو تهمة . وهذا متسق مع تلقينات القرآن العامة ، ومتسق مع طبائع الأمور ، ومن مرشحات الشريعة الإسلامية للخلود .

وواضح من هذا أن التسامح لا يشمل الذين يتناولون المحرمات من مطعوم ومشروب عن علم خلافا لما يقوله بعض الفساق والمجان .

ويظهر أن هذا قديم ؛ حيث رأينا الرازي يتصدى له وينفذه تنفيذا سديدا على ما جاء في تفسير رشيد رضا مسهبا مع تنفيذه بدوره تنفيذا سديدا .

ومقام الآية ونصها لا يمكن أن يتحملا ذلك . فهي في صدد الذين تناولوا ما تناولوه قبل تحريمه ، وهي تشترط لرفع الجناح عنهم أن يتقوا حرمات الله بعد تحريمه ويؤمنوا ويحسنوا ويعملوا الصالحات .

واستحلال ذلك بعد نزول الآيات المحرمة كفر وتناول المحرمات مع الاعتراف بحرمتها دون استحلالها كبيرة . وكل ما يمكن أن يقال في الحالة الثانية هو أن باب التوبة مفتوح أمام المؤمن في نطاق شروطها من ندم واستغفار وعزم على عدم العودة وفي حالة الصحة . والله أعلم .