فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (93)

{ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } من المطاعم التي يشتهونها ، والطعم وإن كان استعماله في الأكل أكثر لكنه يجوز استعماله في الشرب ، ومنه قوله تعالى : { ومن لم يطعمه فإنه مني } أباح الله لهم سبحانه في هذه الآية جميع ما طعموا كائنا ما كان مقيدا بقوله : { إذا ما اتقوا } ما هو محرم عليهم كالخمر وغيره من الكبائر وجميع المعاصي { وآمنوا } بالله ورسوله { وعملوا الصالحات } من الأعمال التي شرعها الله لهم واستمروا على عملها { ثم اتقوا } ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه مباحا فيها سبق { وآمنوا } بتحريمه ، هذا معنى الآية .

وقيل التكرير باعتبار الحالات الثلاث : استعمال الإنسان التقوى بينه وبين نفسه ، وبينه وبين الناس ، وبينه وبين الله ، وقيل باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى ، وقيل باعتبار ما يتقيه الإنسان فإنه ينبغي له أن يترك المحرمات توقيا من العقاب ، والشبهات توقيا من الوقوع في الحرام ، وبعض المباحات حفظا للنفس عن الخسة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة .

وقيل التكرير لمجرد التأكيد كما في قوله تعالى : { كلا سوف تعلمون ، ثم كلا سوف تعلمون } ونظائره{[662]} .

وهذه الوجوه كلها مع قطع النظر عن سبب نزول الآية . أما مع النظر إلى سبب نزولها وهو أنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة : كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر فنزلت ، فقد قيل إن المعنى : اتقوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله ثم اتقوا الكبائر وآمنوا أي ازدادوا إيمانا { ثم اتقوا } الصغائر ، قال أبو السعود : ولا ريب في أنه لا تعلق لهذه العبارات بالمقام فأحسن التأمل انتهى .

{ وأحسنوا } أي تنقلوا قال ابن جرير الطبري : الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل ، والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق ، والاتقاء الثالث بالإحسان والتقرب بالنوافل .

قلت : والحق أنه ليس تخصيص هذه المرات بالذكر لتخصيص الحكم بها بل لبيان التعدد والتكرير بالغا ما بلغ { والله يحب المحسنين } أي المتقربين إليه بالإيمان والأعمال الصالحة والتقوى والإحسان ، وهذا ثناء ومدح لهم على الإيمان والتقوى والإحسان ، لأن هذه المقامات من أشرف الدرجات وأعلاها .


[662]:زاد الميسر /419.