فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (93)

قوله : { لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ } أي من المطاعم التي يشتهونها ، والطعم وإن كان استعماله في الأكل أكثر لكنه يجوز استعماله في الشرب ، ومنه قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّى } أباح الله سبحانه لهم في هذه الآية جميع ما طعموا كائناً ما كان مقيداً بقوله : { إِذَا مَا اتقوا } أي اتقوا ما هو محرّم عليهم كالخمر وغيره من الكبائر ، وجميع المعاصي { وَآمَنُواْ } بالله { وَعَمِلُواْ الصالحات } من الأعمال التي شرعها الله لهم : أي استمروا على عملها . قوله : { ثُمَّ اتَّقَواْ } عطف على اتقوا الأوّل ، أي اتقوا ما حرّم عليهم بعد ذلك مع كونه كان مباحاً فيما سبق { وَآمَنُواْ } بتحريمه { ثُمَّ اتَّقَواْ } ما حرّم عليهم بعد التحريم المذكور قبله مما كان مباحاً من قبل { وَأَحْسِنُواْ } أي عملوا الأعمال الحسنة ، هذا معنى الآية ؛ وقيل : التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة ؛ وقيل : إن التكرير باعتبار المراتب الثلاث ، المبدأ ، والوسط ، والمنتهى ؛ وقيل : إن التكرار باعتبار ما يتقيه الإنسان ، فإنه ينبغي له أن يترك المحرّمات توقياً من العذاب ، والشبهات توقياً من الوقوع في الحرام ، وبعض المباحات حفظاً للنفس عن الخسة ؛ وقيل إنه لمجرّد التأكيد ، كما في قوله تعالى : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } هذه الوجوه كلها مع قطع النظر عن سبب نزول الآية إما مع النظر إلى سبب نزولها ، وهو أنه لما نزل تحريم الخمر ، قال قوم من الصحابة : كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر ؟ فنزلت ، فقد قيل : إن المعنى { اتقوا } الشرك { وَآمَنُواْ } بالله ورسوله { ثُمَّ اتَّقَواْ } الكبائر { وَآمَنُواْ } أي ازدادوا إيماناً { ثُمَّ اتَّقَواْ } الصغائر { وَأَحْسِنُواْ } أي تنفلوا . قال ابن جرير الطبري : الاتقاء الأول : هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل ، والاتقاء الثاني : الاتقاء بالثبات على التصديق ، والثالث : الاتقاء بالإحسان والتقرّب بالنوافل .

/خ93