قوله تعالى : { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم } ، قال عكرمة : نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام . وقال عطاء : نزلت في أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وبلال ، وسالم ، وأبي عبيدة ، ومصعب بن عمير ، وحمزة ، وجعفر ، وعثمان بن مظعون ، وعمار بن ياسر ، والأرقم بن أبي الأرقم ، وأبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهم أجمعين .
قوله تعالى : { كتب ربكم على نفسه الرحمة } ، أي : قضى على نفسه الرحمة .
قوله تعالى : { أنه من عمل منك سوءاً بجهالة } ، قال مجاهد : لا يعلم حلالاً من حرام ، فمن جهالته ركب الذنب ، وقيل : جاهل بما يورثه ذلك الذنب ، وقيل : جهالة من حيث أنه آثر المعصية على الطاعة ، والعاجل القليل على الآجل الكثير .
قوله تعالى : { ثم تاب من بعده } ، رجع عن ذنبه .
قوله تعالى : { وأصلح } ، عمله ، وقيل : أخلص توبته .
قوله تعالى : { فإنه غفور رحيم } ، قرأ ابن عامر وعاصم ، ويعقوب : ( أنه من عمل صالحا فإنه غفور رحيم ) ، بفتح الألف فيهما ، بدلاً من الرحمة ، أي : كتب على نفسه أنه من عمل منكم ، ثم جعل الثانية بدلاً عن الأولى ، كقوله تعالى : { أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون } ، [ المؤمنون :35 ] ، وفتح أهل المدينة الأولى منهما ، وكسروا الثانية على الاستئناف ، وكسرهما الآخرون على الاستئناف .
{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } أي : وإذا جاءك المؤمنون ، فحَيِّهم ورحِّب بهم ولَقِّهم منك تحية وسلاما ، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم ، من رحمة الله ، وسَعة جوده وإحسانه ، وحثهم على كل سبب وطريق ، يوصل لذلك .
ورَهِّبْهم من الإقامة على الذنوب ، وأْمُرْهم بالتوبة من المعاصي ، لينالوا مغفرة ربهم وجوده ، ولهذا قال : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ } أي : فلا بد مع ترك الذنوب والإقلاع ، والندم عليها ، من إصلاح العمل ، وأداء ما أوجب الله ، وإصلاح ما فسد من الأعمال الظاهرة والباطنة .
فإذا وجد ذلك كله { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي : صب عليهم من مغفرته ورحمته ، بحسب ما قاموا به ، مما أمرهم به .
عطف على قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربّهم } [ الأنعام : 52 ] وهو ارتقاء في إكرام الذين يدْعون ربَّهم بالغداة والعشي . فهم المراد بقوله : { الذين يؤمنون بآياتنا } .
ومعنى { يؤمنون بآياتنا } أنَّهم يوقنون بأنّ الله قادر على أن ينزّل آيات جمَّة . فهم يؤمنون بما نزّل من الآيات وبخاصّة آيات القرآن وهو من الآيات ، قال تعالى : { أو لم يكفهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } [ العنكبوت : 51 ] .
وقوله : { فقل سلام عليكم } قيل : معناه حَيِّهم بتحيَّة الإسلام ، وهي كلمة ( سلام عليكم ) ، وقيل : أبلغهم السلام من الله تعالى تكرمة لهم لمضادّة طلب المشركين طردَهم .
وقد أكرمهم الله كرامتين الأولى أن يبدأهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام حين دخولهم عليه وهي مزيَّة لهم ، لأنّ شأن السلام أن يبتدئه الداخل ، ثم يحتمل أنّ هذا حكم مستمرّ معهم كلّما أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنّه للمرّة التي يبلّغهم فيها هذه البشارة ، فنزّل هو منزلة القادم عليهم لأنَّه زفّ إليهم هذه البشرى .
والكرامةُ الثانية هي بشارتهم برضى الله عنهم بأنّ غفر لهم ما يعملون من سوء إذا تابوا من بعده وأصلحوا . وهذا الخبر وإن كان يعمّ المسلمين كلّهم فلعلّه لم يكن معلوماً ، فكانت البشارة به في وجوه المؤمنين يومئذٍ تكرمة لهم ليكونوا ميموني النقيبة على بقية إخوانهم والذين يجيئون من بعدهم .
والسلام : الأمان ، كلمة قالتها العرب عند لقاء المرء بغيره دلالة على أنَّه مسالم لا مُحارب لأنّ العرب كانت بينهم دماء وتِرات وكانوا يثأرون لأنفسهم ولو بغير المعتدي من قبيلته ، فكان الرجل إذا لقي من لا يعرفه لا يأمن أن يكون بينه وبين قبيلته إحَن وحفائظ فيؤمِّن أحدهما الآخر بقوله : السلام عليكم ، أو سلام ، أو نحو ذلك . وقد حكاها الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام ثم شاع هذا اللفظ فصار مستعملاً في التكرمة . ومصدر سلَّم التسليم . والسلام اسم مصدر ، وهو يأتي في الاستعمال منكّراً مرفوعاً ومنصوباً ؛ ومعرّفاً باللام مرفوعاً لا غير . فأمَّا تنكيره مع الرفع كما في هذه الآية ، فهو على اعتباره اسماً بمعنى الأمان ، وساغ الابتداء به لأنّ المقصود النوعية لا فرد معيّن . وإنّما لم يقدّم الخبر لاهتمام القادم بإدخال الطمأنينة في نفس المقدوم عليه ، أنَّه طارق خير لا طارق شرّ . فهو من التقديم لضرب من التفاؤل . وأمَّا تعريفه مع الرفع فلدخول لام تعريف الجنس عليه .
وكلمة ( على ) في الحالتين للدلالة على تمكّن التلبّس بالأمان ، أي الأمان مستقرّ منكم متلبِّس بكم ، أي لا تخف .
وأمّا إن نصبوا مع التنكير فعلى اعتباره كمصدر سلم ، فهو مفعول مطلق أتى بدلاً من فعله . تقديره : سلّمت سلاماً ، فلذلك لا يؤتى معه ب ( على ) .
ثم إنَّهم يرفعونه أيضاً على هذا الاعتبار فلا يأتون معه ب ( على ) لقصد الدلالة على الدوام والثبات بالجملة الاسمية بالرفع ، لأنَّه يقطع عنه اعتبار البدلية عن الفعل ولذلك يتعيّن تقدير مبتدأ ، أي أمرُكم سلام ، على حدّ { فصبر جميل } [ يوسف : 18 ] . والرفع أقوى ، ولذلك قيل : إنّ إبراهيم ردّ تحيَّة أحسن من تحية الملائكة ، كما حكي بقوله تعالى : { قالوا سلاماً قال سلام } [ هود : 69 ] . وقد ورد في ردّ السلام أن يكون بمثل كلمة السلام الأولى ، كقوله تعالى : { إلاّ قيلاً سلاماً سلاماً } [ الواقعة : 26 ] وورد بالتعريف والتنكير فينبغي جعل الردّ أحسن دلالة . فأمَّا التعريف والتنكير فهما سواء لأنّ التعريف تعريف الجنس . ولذلك جاء في القرآن ذكر عيسى { وسلام عليه يوم ولد } [ مريم : 15 ] وجاء أنَّه قال : { والسلامُ عليَّ يوم وُلدت } [ مريم : 33 ] .
وجملة { كتب ربّكم على نفسه الرحمة } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وهي أول المقصود من المقول ، وأمَّا السلام فمقدّمة للكلام . وجوّز بعضهم أن تكون كلاماً ثانياً . وتقدّم تفسير نظيره في قوله تعالى : { كتب على نفسه الرحمة ليجمعنَّكم إلى يوم القيامة } في هذه السورة [ 12 ] . فقوله هنا كتب ربُّكم على نفسه الرحمة } تمهيد لقوله : { أنَّه مَنْ عَمِلَ منكم سوءاً بجهالة } الخ .
وقوله : { أنَّه من عمل منكم سوءاً بجهالة } قرأه نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب بفتح الهمزة على أنَّه بدل من { الرحمة } بدلُ اشتمال ، لأنّ الرحمة العامَّة تشتمل على غفران ذنب من عمل ذنباً ثم تاب وأصلح . وقرأه الباقون بكسر الهمزة على أن يكون استئنافاً بيانياً لجواب سؤال متوقّع عن مَبلغ الرحمة . ( ومَنْ ) شرطية ، وهي أدلّ على التعميم من الموصولة . والباء في قوله : { بجهالة } للملابسة ، أي ملتبساً بجهالة . والمجرور في موضع الحال من ضمير { عَمل } .
والجهالة تطلق على انتفاء العلم بشيء مَّا . وتطلق على ما يقابل الحلم ، وقد تقدّم في قوله تعالى : { إنَّما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة } في سورة [ النساء : 17 ] . والمناسب هنا هو المعنى الثاني ، أي من عمل سوءاً عن حماقة من نفسه وسفاهة ، لأنّ المؤمن لا يأتي السيّئات إلاّ عن غلبة هواه رُشدَه ونُهاه . وهذا الوجه هو المناسب لتحقيق معنى الرحمة . وأمَّا حمل الجهالة على معنى عدم العلم بناء على أنّ الجاهل بالذنب غير مؤاخذ ، فلا قوة لتفريع قوله : { ثم تاب من بعده وأصلح } عليه ، إلاّ إذا أريد ثم تفطَّن إلى أنّه عمل سوءاً .
والضمير في قوله : { مِنْ بعده } عائد إلى { سوءاً } أي بعد السوء ، أي بعد عمله . ولك أن تجعله عائداً إلى المصدر المضمون في ( عَمِلَ ) مثل { اعْدلُوا هُو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] .
ومعنى { أصلح } صيّر نفسه صالحة ، أو أصلح عمله بعد أن أساء . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ الله يتوب عليه } في سورة [ المائدة : 39 ] . وعند قوله : { إلاّ الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنُوا } في سورة [ البقرة : 160 ] .
وجملة : { فإنَّه غفور رحيم } دليل جواب الشرط ، أي هو شديد المغفرة والرحمة . وهذا كناية عن المغفرة لهذا التائب المصلح .
وقرأه نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف بكسر همزة { فإنَّه غفور رحيم } على أنّ الجملة موكَّدة ب { إنّ } فيعلم أنّ المراد أنّ الله قد غفر لمن تاب لأنَّه كثير المغفرة والرحمة . وقرأه ابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب { فأنّه } بفتح الهمزة على أنَّها ( أنّ ) المفتوحة أخت ( إنّ ) ، فيكون ما بعدها مؤوّلاً بمصدر . والتقدير : فغفرانه ورحمته . وهذا جزء جملة يلزمه تقدير خبر ، أي له ، أي ثابت لمن عمل سوءاً ثم تاب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال يعنيهم: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا}، يعني يصدقون بالقرآن أنه من الله، {فقل سلام عليكم}، يقول: مغفرة الله عليكم، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام، وقال:"الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر معهم وأسلم عليهم"، وقال: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده} تاب من بعد السوء، يعني الشرك، {وأصلح} العمل، {فأنه غفور رحيم}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله تعالى بهذه الآية:
فقال بعضهم: عَنَى بها الذين نهى الله نبيه عن طردهم.
وقال آخرون: عنى بها قوما استفتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذنوب أصابوها عظام، فلم يؤيسهم الله من التوبة.
وقال آخرون: بل عُني بها قوم من المؤمنين كانوا أشاروا على النبيّ صلى الله عليه وسلم بطرد القوم الذين نهاه الله عن طردهم، فكان ذلك منهم خطيئة، فغفرها الله لهم وعفا عنهم، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أتوه أن يبشرهم بأن قد غفر لهم خطيئتهم التي سلفت منهم بمشورتهم على النبيّ صلى الله عليه وسلم بطرد القوم الذين أشاروا عليه بطردهم.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بتأويل الآية، قول من قال: المعنيون بقوله:"وَإذَا جاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ" غير الذين نهى الله النبيّ صلى الله عليه وسلم عن طردهم، لأن قوله: "وَإذَا جاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتنا "خبر مستأنف بعد تقضي الخبر عن الذين نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، ولو كانوا هم لقيل: «وإذا جاءوك فقل سلام عليكم»، وفي ابتداء الله الخبر عن قصة هؤلاء وتركه وصل الكلام بالخبر عن الأوّلين ما ينبئ عن أنهم غيرهم.
فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: وإذا جاءك يا محمد القوم الذين يصدّقون بتنزيلنا وأدلتنا وحججنا فيقرّون بذلك قولاً وعملاً، مسترشديك عن ذنوبهم التي سلفت منهم بيني وبينهم، هل لهم منها توبة؟ فلا تؤيسهم منها، وقل لهم: "سلام عليكم": أمنة الله لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها، "كَتَبَ رَبّكُمْ على نَفْسِهِ الرّحْمَة": قضى ربكم الرحمة بخلقه، "أنّه مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهالَةٍ ثمّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وأصْلَحَ فإنّه غَفُورٌ رَحيمٌ".
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدنيين: أنّه مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا فيجعلون «أنّ» منصوبة على الترجمة بها عن الرحمة، «ثمّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وأصْلَحَ فإنّه غفُورٌ رَحِيمٌ» على ائتناف «إنه» بعد الفاء فيكسرونها ويجعلونها أداة لا موضع لها، بمعنى: فهو له غفور رحيم، أو فله المغفرة والرحمة. وقرأهما بعض الكوفيين بفتح الألف منهما جميعا، بمعنى: "كتب ربكم على نفسه الرحمة"، ثم ترجم بقوله: "أنّه مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهالَةٍ" عن الرحمة "فإنّهُ غَفُورٌ رَحيمٌ"، فيعطف «فأنه» الثانية على «أنه» الأولى، ويجعلهما اسمين منصوبين على ما بينت. وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قرّاء أهل العراق من الكوفة والبصرة بكسر الألف من «إنه» و «فإنه» على الابتداء، وعلى أنهما أداتان لا موضع لهما.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأهما بالكسر: «كَتَبَ رَبّكُمْ على نَفْسِهِ الرّحْمَةَ إنّهُ» على ابتداء الكلام، وأن الخبر قد انتهى عند قوله: كَتَبَ رَبّكُمْ على نَفْسِهِ الرّحْمَةَ ثم استؤنف الخبر عما هو فاعل تعالى ذكره بمن عمل سوءا بجهال ثم تاب وأصلح منه.
ومعنى قوله: "أنّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهالَةٍ": أنه من اقترف منكم ذنبا، فجهل باقترافه إياه. "ثُمّ تابَ وأصْلَحَ فأنه غَفُورٌ" لذنبه إذا تاب وأناب وراجع بطاعة الله وترك العود إلى مثله مع الندم على ما فرط منه، "رَحِيمٌ" بالتائب أن يعاقبه على ذنبه بعد توبته منه. عن مجاهد: "مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهالَةٍ" قال: من جهل أنه لا يعلم حلالاً من حرام، ومن جهالته ركب الأمر.
عن مجاهد: "يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ" قال: من عمل بمعصية الله، فذاك منه جهل حتى يرجع. [وعنه]: كلّ من عمل بخطيئة فهو بها جاهل.
حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا خالد بن دينار أبو خلدة، قال: كنا إذا دخلنا على أبي العالية قال: "وَإذَا جاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ على نَفْسِه الرّحْمَةَ".
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} هذا يدل على أن النهي عن الطرد ليس للإبعاد خاصة في المجلس، ولكن في كل شيء: في بشاشة الوجه واللطف في الكلام وفي كل شيء؛ لأنه قال {فقل سلام عليكم}. وقوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} هو أن يبدأهم بالسلام؛ فذلك الذي كتب على نفسه الرحمة. وقال بعضهم: قوله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي لم يأخذهم في أول ما وقعوا في المعصية، ولكن أمهلهم إلى وقت، وجعل لهم المخرج من ذلك بالتوبة. وعلى ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: فتح الله للعبد التوبة إلى أن يأتيه الموت... وجائز أن يكون قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي كتب على خلقه الرحمة أن يرحم بعضهم بعضا. وجائز ما ذكرنا أنه كتب على نفسه الرحمة أي أوجب أن يرحم، ويغفر لمن تاب وقوله تعالى: {أنه من عمل منكم سوءا بجهالة} جائز أن تكون الآية في الكافر إذا تاب يغفر الله له ما كان منه في حال الكفر والشرك كقوله تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} الآية [آل عمران: 135] وقوله تعالى: {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38]. وجائز أن تكون في المؤمن، ثم ذكر عملا بجهالة، وإن لم يكن يعمل بالجهل، لأن الفعل فعل الجهل، وإن كان فعله لم يكن على الجهل،... والمؤمن جميع ما يتعاطى من المساوئ يكون لجهالة؛ لأنه إنما يعمل السوء لغير شهوة، أو للاعتماد على كرم به بالعفو عنه والصفح عن ذلك، أو يعمل السوء على نية التوبة والعزم عليها في آخره. على هذه الوجوه الثلاثة يقع المؤمن في المعصية. وأما على التعمد فلا يعمل.
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
{كتب ربكم على نفسه الرحمة} (55). 388- الله سبحانه أوجب على جوده بكمال كرمه وعنايته أن يرحم المؤمنين، وأوله بمنزلة الكتابة والسجل، فإن الإنسان إذا ادعى على أحد بدين قبله لا يسمع مجرد دعواه، وإذا كان معه سجل محكوم عن قاض من قضاة المسلمين تصح دعواه، ويحصل ماله بسبب ذلك المكتوب، فالله تعالى وعد المؤمنين برحمته، ولم يكتف بموعوده، فأخبر عن السجل فقال: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} ليطمئن قلوب المؤمنين باستماع المكتوب. [المعارف العقلية: 83].
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة}، أي: قضى على نفسه الرحمة. قوله تعالى: {وأصلح}، عمله، وقيل: أخلص توبته.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله {بآياتنا} يعم آيات القرآن وأيضاً علامات النبوة كلها، و {سلام عليكم} ابتداء والتقدير: سلام ثابت أو واجب عليكم، والمعنى: أمنة لكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة، وقيل المعنى أن الله يسلم عليكم. قال القاضي أبو محمد: وهذا معنى لا يقتضيه لفظ الآية حكاه المهدوي، ولفظه لفظ الخبر وهو في معنى الدعاء، وهذا من المواضع التي جاز فيها الابتداء بالنكرة إذ قد تخصصت، و {كتب} بمعنى أوجب، والله تعالى لا يجب عليه شيء عقلاً، إلا إذا أعلمنا أنه قد حتم بشيء ما فذلك الشيء واجب، وفي: أين هذا الكتاب اختلاف؟ قيل في اللوح المحفوظ، وقيل في كتاب غيره لقوله عليه السلام في صحيح البخاري: إن الله تعالى كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي...
و«الجهالة» في هذا الموضع تعم التي تضاد العلم والتي ُتَشَّبه بها، وذلك أن المتعمد لفعل الشيء الذي قد نهي عنه تشمل معصيته تلك جهالة، إذ قد فعل ما يفعله الذي لم يتقدم له علم، قال مجاهد: من الجهالة أن لا يعلم حلالاً من حرام، ومن جهالته أن يركب الأمر، ومن هذا الذي لا يضاد العلم قول النبي عليه السلام في استعاذته «أو أجهل أو يجهل عليّ»... والجهالة المشبهة ليست بعذر في الشرع جملة، والجهالة الحقيقية يعذر بها في بعض ما يخف من الذنوب ولا يعذر بها في كبيرة، و «التوبة» الرجوع، وصحتها مشروطة باستدامة الإصلاح بعدها في الشيء الذي تيب منه.
ثم قال تعالى: {أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح} وفيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن هذا لا يتناول التوبة من الكفر، لأن هذا الكلام خطاب مع الذين وصفهم بقوله: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا} فثبت أن المراد منه توبة المسلم عن المعصية، والمراد من قوله {بجهالة} ليس هو الخطأ والغلط، لأن ذلك لا حاجة به إلى التوبة، بل المراد منه، أن تقدم على المعصية بسبب الشهوة، فكان المراد منه بيان أن المسلم إذا أقدم على الذنب مع العلم بكونه ذنبا ثم تاب منه توبة حقيقية فإن الله تعالى يقبل توبته... المسألة الثالثة: قوله: {من عمل منكم سوءا بجهالة} قال الحسن: كل من عمل معصية فهو جاهل، ثم اختلفوا فقيل: إنه جاهل بمقدار ما فاته من الثواب وما استحقه من العقاب، وقيل: إنه وإن علم أن عاقبة ذلك الفعل مذمومة، إلا أنه آثر اللذة العاجلة على الخير الكثير الآجل، ومن آثر القليل على الكثير قيل في العرف أنه جاهل. وحاصل الكلام أنه وإن لم يكن جاهلا إلا أنه لما فعل ما يليق بالجهال أطلق عليه لفظ الجاهل،.. قوله تعالى: {ثم تاب من بعده وأصلح} فقوله {تاب} إشارة إلى الندم على الماضي، وقوله {وأصلح} إشارة إلى كونه آتيا بالأعمال الصالحة في الزمان المستقبل. ثم قال: {فأنه غفور رحيم} فهو غفور بسبب إزالة العقاب، رحيم بسبب إيصال الثواب الذي هو النهاية في الرحمة. والله أعلم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما نهاه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، علمه كيف يلاطفهم فقال عاطفاً على ما تقديره: وإذا جاءك الذين يحتقرون الضعفاء من عبادي فلا تحفل بهم: {وإذا جاءك} وأظهر موضع الإضمار دلالة على الوصف الموجب لإكرامهم وتعميماً لغيرهم فقال: {الذين يؤمنون} أي هم أو غيرهم أغنياء كانوا أو فقراء، وأشار بمظهر العظمة إلى أنهم آمنوا بما هو جدير بالإيمان به فقال: {بآياتنا} على ما لها من العظمة بالنسبة إلينا {فقل} أي لهم بادئاً بالسلام إكراماً لهم وتطييباً لخواطرهم {سلام عليكم} أي سلامة مني ومن الله، ونكره لما يلحقهم في الدنيا من المصائب؛ ثم علل ذلك بقوله: {كتب ربكم} أي المحسن إليكم {على نفسه الرحمة} ثم علل ذلك بقوله واستأنف بما حاصله أنه علم من الإنسان النقصان، لأنه طبعه على طبائع الخسران إلا من جعله موضع الامتنان فقال: {أنه من عمل منكم سوءاً} أي أيّ سوء كان ملتبساً {بجهالة} أي بسفه أو بخفة وحركة أخرجته عن الحق والعلم حتى كان كأنه لا يعلم شيئاً {ثم تاب} أي رجع بالندم والإقلاع وإن طال الزمان، ولذا أدخل الجار فقال: {من بعده} أي بعد ذلك العمل {وأصلح} بالاستمرار على الخير {فإنه} أي ربكم بسبب هذه التوبة يغفر له لأنه دائماً {غفور} أي بالغ الستر والمحو لما كان من ذلك {رحيم} يكرم من تاب هذه التوبة بأن يجعله كمن أحسن بعد أن جعله بالغفر كمن لم يذنب، ومن أصر وأفسد فإنه يعاقبه، لأنه عزيز حكيم، وربما كانت الآية ناظرة إلى ما قذفهم به المشركون من عدم الإخلاص، ويكون حينئذ مرشحاً لأن المراد بالحساب المحاسبة على الذنوب.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
أول ما تبادر إلى ذهني أن المراد بالذين يؤمنون بالآيات هنا هم الذين كانوا يدخلون في الإسلام آنا بعد آن، عن بينة وبرهان، لا من آمنوا وأسلموا من قبل ممن نهي عن طردهم وغيرهم، ذلك بأن الفعل المضارع « يؤمنون» يفيد وقوع الإيمان في الحال أو الاستقبال، ولا يعبر به عمن آمنوا في الماضي إلا بضرب من التجوز في الاستعمال، -كما يعبر بالماضي عن المستقبل أحيانا لنكتة تقتضي ذلك – كإرادة تصوير ما مضى كأنه واقع الآن، أو إفادة ما يتلو ذلك الماضي من التجدد والاستمرار، ولا يظهر شيء من ذلك في هذه الآية ظهورا بينا يرجح صرف الفعل عن أصل معناه، ولكن قد يراد به التعبير عن الشأن فإنه يكثر في الفعل المضارع إذا كان صلة للموصولين، ويرجع الأصل هنا تطبيق السياق على حال الناس في زمن نزول السورة والجملة الشرطية التي افتتحت بها الآية، وإننا نبين ذلك بما يظهر به التناسب بين الآيات أتم الظهور: كان جمهور الناس كافرين إما كفر جحود وعناد، وإما كفر جهل وتقليد للآباء والأجداد، وكان يدخل في الإسلام الأفراد بعد الأفراد، وكان أكثر السابقين من المستضعفين والفقراء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكون تارة مع هؤلاء المؤمنين يعلمهم ويرشدهم، وتارة يتوجه إلى أولئك الكافرين يدعون وينذرهم، وكان المعاندون من كبرائهم يقترحون عليه الآيات الكونية للتعجيز، وتارة يحقرون شأنه بوجوده في عامة أوقاته مع أولئك الفقراء والمساكين، وقد اقترحوا عليه طردهم من حضرته، ولعلهم كانوا يريدون بذلك أن ينفضوا من حوله، وأن يكون منفرا لغيرهم عن الإيمان به، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان أولئك الكبراء لما تقدم بيانه، فأرشده ربه جلت حكمته في هذا السياق القولي الأخير من هذه السورة إلى أن يبين لمقترحي الآيات الكونية من الكفار أن حقيقة الرسالة لا تقتضي أن تكون قدرة الرسول وعلمه كقدرة الله تعالى وعلمه ولا يكون ملكا من الملائكة حتى يقدر على ما لا يقدر عليه البشر من الآيات، وبأن ينذر الذين يخشون ربهم من المؤمنين إنذارا خاصا بهم لأنهم هم الذين يرجى أن ينتفعوا بكل إنذار، وأن لا يطرد من حضرته منهم أولئك الذين يدعون ربهم بالعشي والابكار، بباعث النية الصحيحة والإخلاص، ويستلزم ذلك أن يستمر على معاملتهم الأولى التي أمره الله تعالى بها في قوله: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} [الكهف: 28]. فبعد هذا الإرشاد في شأن الكفار المعاندين والمؤمنين السابقين حسن أن يرشد الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى شيء في شأن الفريق الثالث من الناس وهم الذين يجيئون الرسول آنا بعد آن مؤمنين بآيات الله المثبتة للتوحيد والرسالة فيدخلون في الإسلام مذعنين لأمر الله ورسوله – وهم الذين أراد رؤساء المشركين تنفيرهم وحاولوا صدهم – فأمره أن يبين لهم قبل كل شيء أنهم صاروا في سلام وأمان من الله تعالى لأن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة فهو لا يؤاخذهم بما كان قبل الإسلام، ومن عمل بعده سوءا بجهالة فما عليه إلا أن يمحو أثره بالتوبة والإصلاح.
{وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} السلام والسلامة مصدران من الثلاثي يقال سلم فلان من المرض أو من البلاء سلاما وسلامة، ومعناهما البراءة والعافية، والسلام والمسالمة مصدران من الرباعي أيضا يقال سالمه أي بارأه وتاركه ومنه ترك الحرب. والسلام من أسماء الله تعالى يدل على تنزيهه عن كل ما لا يليق به من نقص وعجز وفناء وغير ذلك من عيوب الخلق وضعفهم. واستعمل السلام في المتاركة وفي التحية معرفة ونكرة، يقال سلام عليكم والسلام عليكم، وهو بمعنى الدعاء بالسلامة من كل ما يسوء. ويفيد تأمين المسلم عليه من كل أذى يناله من المسلم، فهو آية المودة والصفاء، وثبت في التنزيل أن السلام تحية أهل الجنة يحييهم بها ربهم جل وعلا وملائكته الكرام ويحيي بها بعضهم بعضا، وهو تحية الإسلام الذي هو دين السلم والمسالمة {يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة} [البقرة: 208].
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويمضي السياق يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله أن يبدأ أولئك الذين أسبغ عليهم فضل السبق بالاسلام؛ والذين يسخر منهم أولئك الكبراء الأشراف!.. أن يبدأهم بالسلام.. وأن يبشرهم بما كتبه الله على نفسه من الرحمة؛ متمثلا في معفرته لمن عمل منهم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح:
(وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل: سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة، ثم تاب من بعده وأصلح، فأنه غفور رحيم)..
وهو التكريم -بعد نعمة الإيمان واليسر في الحساب، والرحمة في الجزاء، حتى ليجعل الله- سبحانه -الرحمة كتابا على نفسه للذين آمنوا بآياته؛ ويأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم ما كتبه ربهم عل نفسه. وحتى لتبلغ الرحمة أن يشمل العفو والمغفرة الذنب كله، متى تابوا من بعده وأصلحوا- إذ يفسر بعضهم الجهالة بأنها ملازمة لارتكاب الذنب؛ فما يذنب الإنسان إلا من جهالة؛ وعلى ذلك يكون النص شاملا لكل سوء يعمله صاحبه؛ متى تاب من بعده وأصلح. ويؤيد هذا الفهم النصوص الأخرى التي تجعل التوبة من الذنب -أيا كان- والإصلاح بعده، مستوجبة للمغفرة بما كتب الله على نفسه من الرحمة..
ونعود -قبل الانتهاء من استعراض هذه الفقرة من السورة- إلى بعض الآثار التي وردت عن ملابسات نزول هذه الآيات؛ وعن دلالة هذه الآثار مع النصوص القرآنية على حقيقة النقلة الهائلة التي كان هذا الدين ينقل إليها البشرية يومذاك؛ والتي ما تزال البشرية حتى اليوم دون القمة التي بلغتها يومها ثم تراجعت عنها جدا..
قال أبو جعفر الطبري: حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو زبيد، عن أشعث، عن كردوس الثعلبي، عن ابن مسعود، قال: مر الملأ من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين. فقالوا: يا محمد، رضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك! فنزلت هذه الآية: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه).. (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) إلى آخر الآية...
وفي صحيح مسلم: عن عائذ بن عمرو، أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال، ونفر. فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها! قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: "يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم. لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك". فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي..
نحن في حاجة إلى وقفة طويلة أمام هذه النصوص.. والبشرية بجملتها في حاجة إلى هذه الوقفة كذلك.. إن هذه النصوص لا تمثل مجرد مبادى ء وقيم ونظريات في "حقوق الإنسان!".. إنها أكبر من ذلك بكثير.. إنها تمثل شيئا هائلا تحقق في حياة البشرية فعلا.. تمثل نقلة واسعة نقلها هذا الدين للبشرية بجملتها.. تمثل خطا وضيئا على الأفق بلغته هذه البشرية ذات يوم في حياتها الحقيقة.. ومهما يكن من تراجع البشرية عن هذا الخط الوضيء الذي صعدت إليه في خطو ثابت على حداء هذا الدين، فإن هذا لا يقلل من عظمة تلك النقلة؛ ومن ضخامة هذا الشيء الذي تحقق يوما؛ ومن أهمية هذا الخط الذي ارتسم بالفعل في حياة البشرالواقعية.. إن قيمة ارتسام هذا الخط وبلوغه ذات يوم. أن تحاول البشرية مرة ومرة ومرة الارتفاع إليه؛ ما دام أنها قد بلغته؛ فهو في طوقها إذن وفي وسعها.. والخط هناك على الأفق، والبشرية هي البشرية؛ وهذا الدين هو هذا الدين.. فلا يبقى إلا العزم والثقة واليقين..
وقيمة هذه النصوص أنها ترسم للبشرية اليوم ذلك الخط الصاعد بكل نقطه ومراحله.. من سفح الجاهلية الذي التقط الإسلام منه العرب، إلى القمة السامقة التي بلغ بهم إليها، وأطلعتهم في الأرض يأخذون بيد البشرية من ذلك السفح نفسه إلى تلك القمة التي بلغوها!
فأما ذلك السفح الهابط الذي كان فيه العرب في جاهليتهم -وكانت في البشرية كلها- فهو يتمثل واضحا في قوله: "الملأ "من قريش: "يا محمد، رضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعًا لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك!".. أو في احتقار الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، للسابقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال، وصهيب، وعمار، وخباب، وأمثالهم من الضعفاء؛ وقولهما للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به فضلنا؛ فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد!"...
... هنا تتبدى الجاهلية بوجهها الكالح! وقيمها الهزيلة، واعتباراتها الصغيرة.. عصبية النسب والجنس واعتبارات المال والطبقة.. وما إلى ذلك من اعتبارات. هؤلاء بعضهم ليسوا من العرب! وبعضهم ليسوا من طبقة الأشراف! وبعضهم ليسوا من ذوي الثراء!.. ذات القيم التي تروج في كل جاهلية! والتي لا ترتفع عليها جاهليات الأرض اليوم في نعراتها القومية والجنسية والطبقية!
هذا هو سفح الجاهلية.. وعلى القمة السامقة الإسلام! الذي لا يقيم وزنا لهذه القيم الهزيلة ولهذه الاعتبارات الصغيرة، ولهذه النعرات السخيفة!.. الإسلام الذي نزل من السماء ولم ينبت من الأرض. فالأرض كانت هي هذا السفح.. هذا السفح الذي لا يمكن أن ينبت هذه النبتة الغريبة الجديدة الكريمة.. الإسلام الذي يأتمر به -أول من يأتمر- محمد صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله الذي يأتيه الوحي من السماء؛ والذي هو من قبل في الذؤابة من بني هاشم في الذروة من قريش.. والذي يأتمر به أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ في شأن" هؤلاء الأعبد".. نعم هؤلاء الأعبد الذين خلعوا عبودية كل أحد؛ وصاروا أعبدا لله وحده؛ فكان من أمرهم ما كان!
وكما أن سفح الجاهلية الهابط يرتسم في كلمات الملأ من قريش، وفي مشاعر الأقرع وعيينة.. فإن قمة الإسلام السامقة ترتسم في أمر الله العلي الكبير، لرسوله صلى الله عليه وسلم -:
(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. ما عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين. وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟ أليس الله بأعلم بالشاكرين؟ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل: سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة: أنه من عمل منكم سوءا بجهالة، ثم تاب من بعده وأصلح، فأنه غفور رحيم)..
ويتمثل في سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع "هؤلاء الأعبد".. الذين أمره ربهم أن يبدأهم بالسلام وأن يصبر معهم فلا يقوم حتى يقوموا وهو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم -وهو بعد ذلك- رسول الله وخير خلق الله، وأعظم من شرفت بهم الحياة!
ثم يتمثل في نظرة" هؤلاء الأعبد "لمكانهم عند الله؛ ونظرتهم لسيوفهم واعتبارها" سيوف الله "ونظرتهم لأبي سفيان" شيخ قريش وسيدهم "بعد أن أخره في الصف المسلم كونه من الطلقاء الذين أسلموا عام الفتح وذهبوا طلقاء عفو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمهم هم في الصف كونهم من السابقين إلى الإسلام وهو في شدة الابتلاء.. فلما أن عاتبهم أبو بكر -رضي الله عنه- في أمر أبى سفيان، حذره صاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون قد أغضب" هؤلاء الأعبد "! فيكون قد أغضب الله -يا الله! فما يملك أي تعليق أن يبلغ هذا المدى وما نملك إلا أن نتملاه! ويذهب أبو بكر- رضي الله عنه -يترضى "الأعبد" ليرضى الله: "يا إخوتاه. أغضبتكم "؟ فيقولون:"لا يا أخي. يغفر الله لك "!
أي شيء هائل هذا الذي تحقق في حياة البشرية؟ أية نقلة واسعة هذه التي قد تمت في واقع الناس؟ أي تبدل في القيم والأوضاع، وفي المشاعر والتصورات، في آن؟ والأرض هي الأرض والبيئة هي البيئة، والناس هم الناس، والاقتصاد هو الاقتصاد.. وكل شيء على ما كان، إلا أن وحيا نزل من السماء، على رجل من البشر، فيه من الله سلطان.. يخاطب فطرة البشر من وراء الركام، ويحدو للهابطين هنالك عند السفح، فيستجيشهم الحداء- على طول الطريق -إلى القمة السامقة.. فوق.. فوق.. هنالك عند الإسلام!
ثم تتراجع البشرية عن القمة السامقة؛ وتنحدر مرة أخرى إلى السفح. وتقوم- مرة أخرى -تلك العصبيات النتنة. عصبيات الجنس واللون، وتقوم هنا وهناك عصبيات "وطنية" و "قومية" و "طبقية" لا تقل نتنا عن تلك العصبيات..
ويبقى الإسلام هناك على القمة.. حيث ارتسم الخط الوضيء الذي بلغته البشرية.. يبقى الإسلام هناك- رحمة من الله بالبشرية -لعلها أن ترفع أقدامها من الوحل، وترفع عينيها عن الحمأة.. وتتطلع مرة أخرى إلى الخط الوضيء؛ وتسمع مرة أخرى حداء هذا الدين؛ وتعرج مرة أخرى إلى القمة السامقة على حداء الإسلام..
ونحن لا نملك- في حدود منهجنا في هذه الظلال -أن نستطرد إلى أبعد من هذه الإشارة.. لا نملك أن نقف هنا تلك "الوقفة الطويلة" التي ندعو البشرية كلها أن تقفها أمام هذه النصوص ودلالتها. لتحاول أن تستشرف المدى الهائل الذي يرتسم من خلالها في تاريخ البشرية؛ وهي تصعد على حداء الإسلام من سفح الجاهلية الهابط، إلى تلك القمة السامقة البعيدة.. ثم تهبط مرة أخرى على عواء "الحضارة المادية" الخاوية من الروح والعقيدة!.. ولتحاول كذلك أن تدرك إلى أين يملك الإسلام اليوم أن يقود خطاها مرة أخرى؛ بعد أن فشلت جميع التجارب، وجميع المذاهب، وجميع الأوضاع، وجميع الأنظمة، وجميع الأفكار؛ وجميع التصورات، التي ابتدعها البشر لأنفسهم بعيدا عن منهج الله وهداه.. فشلت في أن ترتفع بالبشرية مرة أخرى إلى تلك القمة؛ وأن تضمن للإنسان حقوقه الكريمة في هذه الصورة الوضيئة؛ وأن تفيض على القلوب الطمأنينة- مع هذه النقلة الهائلة -وهي تنقل البشرية إليها بلا مذابح؛ وبلا اضطهادات؛ وبلا إجراءات استثنائية تقضي على الحريات الأساسية؛ وبلا رعب، وبلا فزع، وبلا تعذيب، وبلا جوع، وبلا فقر، وبلا عرض واحد من أعراض النقلات التي يحاولها البشر في ظل الأنظمة البائسة التي يضعها البشر؛ ويتعبد فيها بعضهم بعضا من دون الله..
فحسبنا هذا القدر هنا.. وحسبنا الإيحاءات القوية العميقة التي تفيض بها النصوص ذاتها، وتسكبها في القلوب المستنيرة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف على قوله {ولا تطرد الذين يدعون ربّهم} [الأنعام: 52] وهو ارتقاء في إكرام الذين يدْعون ربَّهم بالغداة والعشي، فهم المراد بقوله: {الذين يؤمنون بآياتنا}.
ومعنى {يؤمنون بآياتنا} أنَّهم يوقنون بأنّ الله قادر على أن ينزّل آيات جمَّة. فهم يؤمنون بما نزّل من الآيات وبخاصّة آيات القرآن وهو من الآيات، قال تعالى: {أو لم يكفهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} [العنكبوت: 51].
وقوله: {فقل سلام عليكم} قيل: معناه حَيِّهم بتحيَّة الإسلام، وهي كلمة (سلام عليكم)، وقيل: أبلغهم السلام من الله تعالى تكرمة لهم لمضادّة طلب المشركين طردَهم.
وقد أكرمهم الله كرامتين: الأولى أن يبدأهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام حين دخولهم عليه وهي مزيَّة لهم، لأنّ شأن السلام أن يبتدئه الداخل، ثم يحتمل أنّ هذا حكم مستمرّ معهم كلّما أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنّه للمرّة التي يبلّغهم فيها هذه البشارة، فنزّل هو منزلة القادم عليهم لأنَّه زفّ إليهم هذه البشرى.
والكرامةُ الثانية هي بشارتهم برضى الله عنهم بأنّ غفر لهم ما يعملون من سوء إذا تابوا من بعده وأصلحوا. وهذا الخبر وإن كان يعمّ المسلمين كلّهم فلعلّه لم يكن معلوماً، فكانت البشارة به في وجوه المؤمنين يومئذٍ تكرمة لهم ليكونوا ميموني النقيبة على بقية إخوانهم والذين يجيئون من بعدهم.
والسلام: الأمان، كلمة قالتها العرب عند لقاء المرء بغيره دلالة على أنَّه مسالم لا مُحارب لأنّ العرب كانت بينهم دماء وتِرات وكانوا يثأرون لأنفسهم ولو بغير المعتدي من قبيلته، فكان الرجل إذا لقي من لا يعرفه لا يأمن أن يكون بينه وبين قبيلته إحَن وحفائظ فيؤمِّن أحدهما الآخر بقوله: السلام عليكم، أو سلام، أو نحو ذلك. وقد حكاها الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام ثم شاع هذا اللفظ فصار مستعملاً في التكرمة. ومصدر سلَّم التسليم. والسلام اسم مصدر، وهو يأتي في الاستعمال منكّراً مرفوعاً ومنصوباً؛ ومعرّفاً باللام مرفوعاً لا غير. فأمَّا تنكيره مع الرفع كما في هذه الآية، فهو على اعتباره اسماً بمعنى الأمان، وساغ الابتداء به لأنّ المقصود النوعية لا فرد معيّن. وإنّما لم يقدّم الخبر لاهتمام القادم بإدخال الطمأنينة في نفس المقدوم عليه، أنَّه طارق خير لا طارق شرّ. فهو من التقديم لضرب من التفاؤل. وأمَّا تعريفه مع الرفع فلدخول لام تعريف الجنس عليه.
وكلمة (على) في الحالتين للدلالة على تمكّن التلبّس بالأمان، أي الأمان مستقرّ منكم متلبِّس بكم، أي لا تخف.
وأمّا إن نصبوا مع التنكير فعلى اعتباره كمصدر سلم، فهو مفعول مطلق أتى بدلاً من فعله. تقديره: سلّمت سلاماً، فلذلك لا يؤتى معه ب (على).
ثم إنَّهم يرفعونه أيضاً على هذا الاعتبار فلا يأتون معه ب (على) لقصد الدلالة على الدوام والثبات بالجملة الاسمية بالرفع، لأنَّه يقطع عنه اعتبار البدلية عن الفعل ولذلك يتعيّن تقدير مبتدأ، أي أمرُكم سلام، على حدّ {فصبر جميل} [يوسف: 18]. والرفع أقوى، ولذلك قيل: إنّ إبراهيم ردّ تحيَّة أحسن من تحية الملائكة، كما حكي بقوله تعالى: {قالوا سلاماً قال سلام} [هود: 69]. وقد ورد في ردّ السلام أن يكون بمثل كلمة السلام الأولى، كقوله تعالى: {إلاّ قيلاً سلاماً سلاماً} [الواقعة: 26] وورد بالتعريف والتنكير فينبغي جعل الردّ أحسن دلالة. فأمَّا التعريف والتنكير فهما سواء لأنّ التعريف تعريف الجنس. ولذلك جاء في القرآن ذكر عيسى {وسلام عليه يوم ولد} [مريم: 15] وجاء أنَّه قال: {والسلامُ عليَّ يوم وُلدت} [مريم: 33].
وجملة {كتب ربّكم على نفسه الرحمة} مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وهي أول المقصود من المقول، وأمَّا السلام فمقدّمة للكلام. وجوّز بعضهم أن تكون كلاماً ثانياً. وتقدّم تفسير نظيره في قوله تعالى: {كتب على نفسه الرحمة ليجمعنَّكم إلى يوم القيامة} في هذه السورة [12]. فقوله هنا كتب ربُّكم على نفسه الرحمة} تمهيد لقوله: {أنَّه مَنْ عَمِلَ منكم سوءاً بجهالة} الخ.
.. والجهالة تطلق على انتفاء العلم بشيء مَّا. وتطلق على ما يقابل الحلم، وقد تقدّم في قوله تعالى: {إنَّما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} في سورة [النساء: 17]. والمناسب هنا هو المعنى الثاني، أي من عمل سوءاً عن حماقة من نفسه وسفاهة، لأنّ المؤمن لا يأتي السيّئات إلاّ عن غلبة هواه رُشدَه ونُهاه. وهذا الوجه هو المناسب لتحقيق معنى الرحمة. وأمَّا حمل الجهالة على معنى عدم العلم بناء على أنّ الجاهل بالذنب غير مؤاخذ، فلا قوة لتفريع قوله: {ثم تاب من بعده وأصلح} عليه، إلاّ إذا أريد ثم تفطَّن إلى أنّه عمل سوءاً.
والضمير في قوله: {مِنْ بعده} عائد إلى {سوءاً} أي بعد السوء، أي بعد عمله. ولك أن تجعله عائداً إلى المصدر المضمون في (عَمِلَ) مثل {اعْدلُوا هُو أقرب للتقوى} [المائدة: 8].
ومعنى {أصلح} صيّر نفسه صالحة، أو أصلح عمله بعد أن أساء. وقد تقدّم عند قوله تعالى: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ الله يتوب عليه} في سورة [المائدة: 39]. وعند قوله: {إلاّ الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنُوا} في سورة [البقرة: 160].
وجملة: {فإنَّه غفور رحيم} دليل جواب الشرط، أي هو شديد المغفرة والرحمة. وهذا كناية عن المغفرة لهذا التائب المصلح...
ونرى كلمة (الرحمة) تتردد كثيرا في القرآن الكريم، فها هو ذا الحق يقول في موقع آخر: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا (82)} (سورة الإسراء). ما الفارق إذن بين الشفاء والرحمة؟ والرحمة: لا يبتلي الله الإنسان بمرض، إنها الوقاية، أما الشفاء فهو أن يزيل الحق أي مرض أصاب الإنسان. وهذا هو البرء بعد العلاج. إذن ففي القرآن شفاء ورحمة، أي وقاية وعلاج. والذي يلتزم بمنهج القرآن لا تصيبه الداءات الاجتماعية والنفسية، والذي تغفل نفسه وتشرد منه يصاب بالداء الاجتماعي والنفسي، فإن عاد إلى منهج القرآن فهو يشفى من أي داء. وإذا سمعت قول الله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} فالكتابة تدل على التسجيل، ولا أحد يوجب على الله شيئا لأنه خالق الكون، وله في الكون طلاقة المشيئة، فلا أحد يكتب عليه شيئا ليلزمه به، ولكنه سبحانه هو الذي أوجب على نفسه الرحمة. ونأخذ كلمة (نفسه) في إطار (ليس كمثله شيء)، ذلك أن النفس عند البشر هي الجسم والدم والحركة والحياة، ولكن ماذا عندما تأتي كلمة (النفس) منسوبة إلى الله؟ المراد – إذن – هو الذات الإلهية. وإن لم تأخذ مراد الكلمة بهذا المعنى فأنت تدخل إلى مخالفات كثيرة وقانا الله وإياك شرورها.