غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (54)

51

{ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا } قال عكرمة : نزلت في الذين نهى الله نبيّه صلى الله عليه وسلم عن طردهم وكان إذا رآهم بدأهم بالسلام ، وقال : «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام » وقال ماهان الحنفي : أتى قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوباً عظاماً ، وأظهروا الندامة والأسف فما أخاله رد عليهم بشيء . فلما ذهبوا وتولوا نزلت الآية . قال في التفسير الكبير : الأقرب أن تحمل الآية على عمومها ، فكل من آمن بآيات الله تعالى يدخل تحت هذا التشريف والإكرام ثم أبدى إشكالاً وهو أن المفسرين اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة ، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن يقال في كل واحدة من جميع آي هذه السورة إنها نزلت بسبب الأمر الفلاني ؟ قلت : لا استبعاد في أن تنزل السورة دفعة وينزل الصحابة كل آية منها على واقعة تناسبها ، كيف وهم أعرف بحقائق التنزيل وأعلم بدقائق التأويل لأنهم أهل مشاهدة الوحي وأرباب مزاولة الأمر والنهي ؟ ! واعلم أن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله ، وأنها لا تكاد تنحصر فيجب على المكلف أن يكون مدة حياته كالسابح في تلك البحار والسائح في هذه القفار ليكون دائماً مترقياً في معارجها مترقباً أن تفيض عليه الأنوار من مدارجها فيستعد لبشارة { سلام عليكم } ويستأهل لكرامة { كتب ربكم على نفسه الرحمة } { فقل سلام عليكم } إما أن يكون أمراً بتبليغ سلام الله إليهم ، وإما أن يكون أمراً بأن يبدأهم بالسلام إكراماً لهم . قال الزجاج : { سلام } إما مصدر «سلمت سلاماً وتسليماً » مثل : كلمت كلاماً وتكليماً . ومعناه الدعاء بأن يسلم من الآفات في نفسه ودينه ، وإما أن يكون جمع سلامة . وقيل : السلام هو الله أي الله عليكم أي على حفظكم ولعل هذا الوجه إنما يتأتى في المعرف لا في المنكر . { كتب ربكم } من جملة المقول لهم تبشيراً بسعة رحمة الله وقبوله التوبة . ومعنى كتب على نفسه أوجب على ذاته إيجاب الكرم لا إيجاباً يستحق بتركه الذم . وقالت المعتزلة : كونه عالماً بقبح القبائح وباستغنائه عنها يمنعه عن الإقدام عليها ولو فعل كان ظلماً ، وإيجاب الرحمة ينافي القول بأنه منع الكافر من الإيمان ثم أمره حال ذلك المنع بالإيمان ثم يعذبه على ترك ذلك الإيمان ، وأجيب بأنه فاعل لما يشاء ولا اعتراض عليه . { أنه من عمل } من قرأ بالفتح فعلى الإبدال من الرحمة ، ومن قرأ بالكسر فعلى الاستئناف كأن الرحمة استفسرت فقيل : إنه من عمل { منكم سوءاً بجهالة } وهو في موضع الحال أي عمله وهو جاهل . والمراد أنه فاعل فعل الجهال لأن من عمل ما يضره في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل السفه لا من أهل الحكمة والتدبير ، أو أنه جاهل بعاقبته ومن حق الحكيم أن لا يقدم على ما لا يعرف مآل حاله . { ثم تاب من بعده } بأن يندم على ما فعله { وأصلح } العمل في المستقبل { فأنه غفور } يزيل العقاب عنه { رحيم } يوصل الثواب إليه من قرأ بالكسر فعلى : أن الجملة جزاء للشرط ، ومن قرأ بالفتح فعلى أن الخبر أو المبتدأ محذوف أي فغفرانه كائن أو فأمره أنه غفور . قيل : إن الآية نزلت في عمر حين أشار بإجابة الكفرة إلى ما طلبوا ولم يعلم أنها مفسدة .

/خ60