الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (54)

{ فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ } إما أن يكون أمراً بتبليغ سلام الله إليهم . وإما أن يكون أمراً بأن يبدأهم بالسلام إكراماً لهم وتطييباً لقلوبهم . وكذلك قوله : { كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة } من جملة ما يقول لهم ليسرهم ويبشرهم بسعة رحمة الله وقبوله التوبة منهم . وقرىء : «إنه » فإنه بالكسر على الاستئناف كأن الرحمة استفسرت فقيل : { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ } وبالفتح على الإبدال من الرحمة { بِجَهَالَةٍ } في موضع الحال ، أي عمله وهو جاهل . وفيه معنيان ، أحدهما : أنه فاعل فعل الجهلة لأنّ من عمل ما يؤدي إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظانّ فهو من أهل السفه والجهل ، لا من أهل الحكمة والتدبير . ومنه قول الشاعر :

عَلَى أَنَّهَا قَالَتْ عَشِيَّةَ زُرْتُهَا *** جَهِلْتَ عَلَى عَمْدٍ وَلَمْ تَكُ جَاهِلا

والثاني : أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة . ومن حق الحكيم أن لا يقدم على شيء حتى يعلم حاله وكيفيته . وقيل : إنها نزلت في عمر رضي الله عنه حين أشار بإجابة الكفرة إلى ما سألوا ولم يعلم أنها مفسدة .