لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (54)

قوله تعالى : { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم } قال عكرمة : نزلت في الذين نهى الله نبيه عن طردهم فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام .

وقال عطاء : نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم بن أبي عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سلمة بن عبد الأسد وقيل إن الآية على إطلاقها في كل مؤمن . وقيل : لما جاء عمر بن الخطاب واعتذر من مقالته التي تقدمت في رواية عكرمة وقال : ما أردت إلا الخير ، نزلت وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم { كتب ربكم } يعني فرض ربكم وقضى ربكم { على نفسه الرحمة } وهذا يفيد الوجوب وسبب هذا أنه تعالى يتصرف في عباده كيف يشاء وأراد فأوجب على نفسه الرحمة على سبيل الفضل والكرم لأنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين : { أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة } قال مجاهد : كل من عمل ذنباً أو خطيئة فهو بها جاهل واختلفوا في سبب هذا الجهل فقيل لأنه جاهل بمقدار ما استحقه من العقاب وما فاته من الثواب . وقيل إنه وإن علم أن عاقبة ذلك السوء والفعل القبيح مذمومة إلا أنه آثر اللذة العاجلة على الخير الكثير الآجل ومن آثر القليل على الكثير فهو جاهل وقيل إنه لما فعل فعل الجهال نسب إلى الجهل وإن لم يكن جاهلاً : { ثم تاب من بعده } يعني من بعد ارتكابه ذلك السوء ورجع عنه { وأصلح } يعني أصلح العمل في المستقبل ، وقيل أخلص توبته وندم على فعله { فأنه غفور } يعني لمن تاب من ذنوبه { رحيم } بعباده قال خالد بن دينار كنا إذا دخلنا على أبي العالية قال : { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } الآية . عن أبي سعيد الخدري قال : جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فلما قام علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت القارئ فسلم ثم قال ما كنتم تصنعون ؟ قلنا : يا رسول الله كان قارئ لنا يقرأ علينا وكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا ليعدل بنفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتلحقوا وبرزت وجوههم ، قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف منهم أحداً غيري . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة عام " أخرجه أبو داود .