فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (54)

قوله : { وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بآياتنا } هم الذين نهاه الله عن طردهم وهم المستضعفون من المؤمنين ، كما سيأتي بيانه : { فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ } أمره الله بأن يقول لهم هذا القول تطييباً لخواطرهم ، وإكراماً لهم . والسلام ، والسلامة : بمعنى واحد ، فمعنى سلام عليكم : سلمكم الله . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية إذا رآهم بدأهم بالسلام . وقيل : إن هذا السلام هو من جهة الله ، أي أبلغهم منا السلام . قوله : { كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة } أي أوجب ذلك إيجاب فضل وإحسان . وقيل : كتب ذلك في اللوح المحفوظ . قيل : هذا من جملة ما أمره الله سبحانه بإبلاغه إلى أولئك الذين أمره بإبلاغ السلام إليهم تبشيراً بسعة مغفرة الله ، وعظيم رحمته .

قوله : { أَنَّهُ من عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ } قرأ ابن عامر ، وعاصم ، ونافع بفتح " أن " من { أنه } ، وقرأ الباقون بكسرها . فعلى القراءة الأولى : تكون هذه الجملة بدلاً من الرحمة ، أي كتب ربكم على نفسه أنه من عمل إلى آخره . وعلى القراءة الثانية : تكون هذه الجملة مفسرة للرحمة بطريق الاستئناف وموضع بجهالة النصب على الحال ، أي عمله وهو جاهل . قيل : والمعنى أنه فعل فعل الجاهلين ؛ لأن من عمل ما يؤدي إلى الضرر في العاقبة مع علمه بذلك أو ظنه ، فقد فعل فعل أهل الجهل والسفه ، لا فعل أهل الحكمة والتدبير . وقيل المعنى : أنه عمل ذلك وهو جاهل لما يتعلق به من المضرة ، فتكون فائدة التقييد بالجهالة الإيذان بأن المؤمن لا يباشر ما يعلم أنه يؤدي إلى الضرر .

قوله : { ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ } أي من بعد عمله { وَأَصْلَحَ } ما أفسده بالمعصية ، فراجع الصواب وعمل الطاعة { فَإنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قرأ ابن عامر ، وعاصم ، بفتح الهمزة من «فإنه » ، وقرأ الباقون الكسر . فعلى القراءة الأولى تكون أن وما بعدها خبر مبتدأ محذوف ، أي فأمره أن الله غفور رحيم ، وهذا اختيار سيبويه ، واختار أبو حاتم أن الجملة في محل رفع على الابتداء ، والخبر مضمر ، كأنه قيل : فله { أَنَّهُ غَفُور رَّحِيم } قال لأن المبتدأ هو ما بعد الفاء . وأما على القراءة الثانية : فالجملة مستأنفة .

/خ55