معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ} (20)

قوله تعالى : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار } فيقال لهم : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، ويعقوب : ( أأذهبتم ) ، بالاستفهام ، ويهمز ابن عامر همزتين ، والآخرون بلا استفهام على الخبر ، وكلاهما فصيحان ، لأن العرب تستفهم بالتوبيخ ، وتترك الاستفهام فتقول : أذهبت ففعلت كذا ؟ { واستمتعتم بها } يقول : أذهبتم طيباتكم يعني اللذات وتمتعتم بها . { فاليوم تجزون عذاب الهون } أي العذاب الذي فيه ذل وخزي ، { بما كنتم تستكبرون } تتكبرون ، { في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون } فلما وبخ الله الكافرين بالتمتع بالطيبات في الدنيا أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة . وروينا عن عمر قال : { دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر الرمال بجنبه ، فقلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك ، فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله ، فقال : أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا " .

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنبأنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث ، عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أخبرنا محمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا إسماعيل بن محمد بن الصفار ، حدثنا أحمد بن المنصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " لقد كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً وما لنا إلا الماء والتمر ، غير أن جزى الله نساءً من الأنصار خيراً ، كن ربما أهدين لنا شيئاً من اللبن " .

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ، حدثنا ثابت بن يزيد ، عن هلال بن خباب عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً ، وأهله لا يجدون عشاءً ، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير " . أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا روح بن أسلم ، حدثنا أبو حاتم البصري ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء من التمر يواريه إبط بلال " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يوسف بن عيسى ، حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة أنه قال : " لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء ، إما إزار وإما كساء ، قد ربطوا في أعناقهم ، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته " .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشمهيني ، حدثنا أبو طاهر محمد بن الحارث ، حدثنا أبو لحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن مبارك ، عن شعبة بن الحجاج ، عن سعد ابن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم ، أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائماً ، فقال : قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه " قال : وأراه قال : وقتل حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا بردة ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط ، وقال : أعطينا من الدنيا ما أعطينا ، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . وقال جابر بن عبد الله : رأى عمر بن الخطاب لحماً معلقاً في يدي ، فقال : ما هذا يا جابر ؟ قلت : اشتهيت لحماً فاشتريته ، فقال عمر : أو كلما اشتهيت شيئاً يا جابر اشتريت ؟ أما تخاف هذه الآية : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ} (20)

{ 20 } { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ }

يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون فيقال لهم : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا } حيث اطمأننتم إلى الدنيا ، واغتررتم بلذاتها ورضيتم بشهواتها وألهتكم طيباتها عن السعي لآخرتكم وتمتعتم تمتع الأنعام السارحة فهي حظكم من آخرتكم ، { فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } أي : العذاب الشديد الذي يهينكم ويفضحكم بما كنتم تقولون على الله غير الحق ، أي : تنسبون الطريق الضالة التي أنتم عليها إلى الله وإلى حكمه وأنتم كذبة في ذلك ، { وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ } أي : تتكبرون عن طاعته ، فجمعوا بين قول الباطل والعمل بالباطل والكذب على الله بنسبته إلى رضاه والقدح في الحق والاستكبار عنه فعوقبوا أشد العقوبة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ} (20)

وقوله : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا . وقد تورع [ أمير المؤمنين ] {[26440]} عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، عن{[26441]} كثير من طيبات المآكل والمشارب ، وتنزه عنها ، ويقول : [ إني ] {[26442]} أخاف أن أكون كالذين قال الله تعالى لهم وقَرَّعهم : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا }

وقال أبو مِجْلَز : ليتفقَّدَنّ أقوامٌ حَسَنات كانت لهم في الدنيا ، فيقال لهم : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا }

وقوله : { فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ } فجوزوا من جنس عملهم ، فكما نَعَّموا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق ، وتعاطوا الفسق والمعاصي ، جازاهم الله بعذاب الهون ، وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة ، والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة ، أجارنا الله من ذلك كله .


[26440]:- (7) زيادة من ت، م، أ.
[26441]:- (8) في أ: "على".
[26442]:- (9) زيادة من ت، م، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ} (20)

المعنى : واذكر يوم يعرض ، وهذا العرض هو بالمباشرة ، كما تقول عرضت العود على النار والجاني على السوط ، والمعنى : يقال لهم { أذهبتم طيباتكم } .

وقرأ جمهور القراء : «أذهبتم » على الخبر ، حسنت الفاء بعد ذلك . وقرأ ابن كثير والحسن والأعرج وأبو جعفر ومجاهد وابن وثاب . «آذهبتم » بهمزة مطولة على التوبيخ والتقرير الذي هو في لفظ الاستفهام . وقرأ ابن عامر «أأذهبتم » بهمزتين تقريراً .

والتقرير والتوبيخ إخبار بالمعنى ، ولذلك حسنت الفاء وإلا فهي لا تحسن في جواب على حد هذه مع الاستفهام المحض .

والطيبات : الملاذ ، وهذه الآية وإن كانت في الكفار فهي رادعة لأولي النهى من المؤمنين عن الشهوات واستعمال الطيبات ، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه : أتظنون أنا لا نعرف طيب الطعام ، ذلك لباب البر بصغار المعزى ، ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم أنهم أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ، ذكر هذا في كلامه مع الربيع بن زياد . وقال أيضاً نحو هذا لخالد بن الوليد حين دخل الشام فقدم إليه طعام طيب ، فقال عمر : هذا لنا ، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير ؟ فقال خالد : لهم الجنة ، فبكى عمر وقال : لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بوناً بعيداً . وقال جابر بن عبد الله : اشتريت لحماً بدرهم فرآني عمر ، فقال : أو كلما اشتهى أحدكم شيئاً اشتراه فأكله ؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية ، وتلا : { أذهبتم } الآية .

و { عذاب الهون } : العذاب الذي اقترن به هوان ، وهذا هو عذاب العصاة المواقعين ما قد نهوا عنه ، وهذا بين في عذاب الدنيا ، فعذاب المحدود في معصية كالحرابة ونحوها مقترن بهون ، وعذاب المقتول في حرب لا هون معه ، فالهون والهوان بمعنى ؟ ! .

ثم أمر تعالى نبيه بذكر هود وقومه عاد على جهة المثال لقريش ، وهذه الأخوة هي أخوة القرابة ، لأن هوداً كان من أشراف القبيلة التي هي عاد .