قوله عز وجل : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار } يعني يجاء بهم فيكشف لهم عنها ويقال لهم { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } يعني أن كل ما قدر لكم من الطيبات واللذات فقد أفنيتموه في الدنيا وتمتعتم به فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم منها شيء { فاليوم تجزون عذاب الهون } أي الذي فيه ذل وخزي { بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون } علق هذا العذاب بأمرين ، أحدهما : الاستكبار وهو الترفع ، ويحتمل أن يكون عن الإيمان ، والثاني : الفسق وهو المعاصي ، والأول من عمل القلوب ، والثاني من عمل الجوارح .
لما وبخ الله تعالى الكافرين بالتمتع بالطيبات ، آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة ( ق ) «عن عمر بن الخطاب قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمال حصير قد أثر في جنبه ، فقلت : أستأنس يا رسول الله . قال : نعم فجلست ، فرفعت رأسي في البيت ، فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر إلا أهبة ثلاثة ، فقلت : ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم ولا يعبدون الله فاستوى جالساً ثم قال : أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر لي يا رسول الله » ( ق ) . «عن عائشة قالت : ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم » ( ق ) «عنها قالت : كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً إنما هو الأسودان التمر والماء إلا أن نؤتى باللحيم » وفي رواية أخرى قالت : «إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار . قال عروة : قلت : يا خالة فما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا » عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير » أخرجه الترمذي وله عن أنس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أخفت في الله ما لم يخف أحد وأوذيت في الله ما لم يؤذ أحد ولقد أتى عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام إلا شيء يواري إبط بلال " ( خ ) . عن أبي هريرة قال : لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته " ( خ ) . " عن إبراهيم بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائماً فقال : قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه . قال : وأراه قال : قتل حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا برده . ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط وقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام " وقال جابر بن عبد الله : " رأى عمر بن الخطاب لحماً معلقاً في يدي فقال ما هذا يا جابر ؟ قلت : اشتهيت لحماً فاشتريته ، فقال عمر : كلما اشتهيت يا جابر اشتريت ، أما تخاف هذه الآية : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ؟ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.