فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ} (20)

{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار } الظرف متعلق بمحذوف : أي اذكر لهم يا محمد يوم ينكشف الغطاء ، فينظرون إلى النار ويقربون منها ، وقيل : معنى { يعرضون } : يعذبون من قولهم : عرضه على السيف ، وقيل : في الكلام قلب . والمعنى : تعرض النار عليهم { أَذْهَبْتُمْ طيباتكم فِي حياتكم الدنيا } أي يقال لهم ذلك ، قيل وهذا المقدّر هو الناصب للظرف ، والأوّل أولى . قرأ الجمهور { أَذَهَبْتُمْ } بهمزة واحدة ، وقرأ الحسن ، ونصر وأبو العالية ، ويعقوب وابن كثير بهمزتين مخففتين . ومعنى الاستفهام : التقريع والتوبيخ . قال الفراء والزجاج : العرب توبخ بالاستفهام وبغيره ، فالتوبيخ كائن على القراءتين . قال الكلبي : المراد بالطيبات : اللذات ، وما كانوا فيه من المعايش { واستمتعتم بِهَا } أي بالطيبات ، والمعنى : أنهم اتبعوا الشهوات واللذات التي في معاصي الله سبحانه ، ولم يبالوا بالذنب تكذيباً منهم لما جاءت به الرّسل من الوعد بالحساب والعقاب والثواب { فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون } أي العذاب الذي فيه ذلّ لكم ، وخزي عليكم . قال مجاهد ، وقتادة : الهون : الهوان بلغة قريش { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق } أي بسبب تكبركم عن عبادة الله ، والإيمان به وتوحيده { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } أي تخرجون عن طاعة الله ، وتعملون بمعاصيه ، فجعل السبب في عذابهم أمرين : التكبر عن اتباع الحق ، والعمل بمعاصي الله سبحانه وتعالى ، وهذا شأن الكفرة ، فإنهم قد جمعوا بينهما .

/خ20