فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ} (20)

{ ويوم يعرض الذين كفروا على النار } أي اذكر لهم يا محمد يوم ينكشف الغطاء فينظرون إلى النار ويقربون منها ، وقيل معنى يعرضون يعذبون من قولهم عرضه على السيف وعرض الشخص على النار أشد في إهانته من عرض النار عليه إذ عرضه عليها يفيد أنه كالحطب المخلوق للاحتراق ، وقيل : في الكلام قلب والمعنى تعرض النار عليهم .

{ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } أي قال لهم ذلك ، قرأ الجمهور : أذهبتم بهمزة واحدة ، وقرئ بهمزتين محققتين ، ومعنى الاستفهام التقريع والتوبيخ ، قال الفراء والزجاج : العرب توبخ بالإستفهام وبغيره ، فالتوبيخ كائن على القراءتين ، قال الكلبي : المراد بالطيبات اللذات وما كانوا فيه من المعايش والمعنى أن كل ما قدر لكم من اللذات والطيبات فقد ذهبتم به وأخذتموه وتمتعتم به فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم منها شيء ، وقيل : المعنى أفنيتم شبابكم في الكفر والمعاصي ، قال ابن بحر : الطيبات الشباب والقوة ، مأخوذة من قولهم : ذهب أطيباه أي شبابه وقوته ، قال الماوردي ، ووجدت الضحاك قاله أيضا ، قلت : القول الأول أظهر ، والثاني فيه بعد .

{ واستمتعتم بها } أي بالطيبات والمعنى : أنهم اتبعوا الشهوات واللذات التي في معاصي الله سبحانه ، ولم يبالوا بالذنب تكذيبا منهم لما جاءت به الرسل من الوعد بالحساب والعقاب والثواب .

{ فاليوم تجزون عذاب الهون } أي العذاب الذي فيه ذلكم ، وخزي عليكم ، قال مجاهد وقتادة الهون الهوان بلغة قريش { بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق } أي بسبب تكبركم عن عبادة الله ، والإيمان به وتوحيده .

{ وبما كنتم تفسقون } أي تخرجون عن طاعة الله وتعملون بمعاصيه ، فجعل السبب في عذابهم أمرين : التكبر عن اتباع الحق ، والعمل بمعاصي الله سبحانه ، وهذا شأن الكفرة فإنهم جمعوا بينهما ، قيل لما وبخ الله تعالى الكافرين بالتمتع بالطيبات آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون من بعدهم اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة وفي الباب أخبار وآثار تدل على ذم التمتع .