معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

قوله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } . يعني الدين المرضي الصحيح كما قال ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) . وقال ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ) وفتح الكسائي الألف من " إن الدين " رداً على أن الأولى تقديره ، شهد الله انه لا إله إلا هو ، وشهد أن الدين عند الله الإسلام . أو شهد الله أن الدين عند الله الإسلام بأنه لا إله إلا هو ، وكسر الباقون الألف على الابتداء ، والإسلام : هو الدخول في السلم ، وهو الانقياد والطاعة ، يقال : أسلم أي دخل في السلم واستسلم .

قال قتادة في قوله تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى . وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ، ودل عليه أولياءه ، فلا يقبل غيره ، ولا يجزي إلا به .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو اسحق الثعلبي ، أنا أبو عمرو الفراوي ، أنا موسى عمران بن موسى ، أنا الحسن بن سفيان ، أنا عمار بن عمرو بن المختار ، حدثني أبي عن غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الأعمش وكنت أختلف إليه ، فلما كنت ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة ، فإذا الأعمش قائم من الليل يتهجد فمر بهذه الآية ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة ( إن الدين عند الله الإسلام ) قالها مراراً ، قلت : لقد سمع فيها شيئاً ، فصليت الصبح معه وودعته ثم قال : إني سمعتك تقرأ آية ترددها فما بلغك فيها ؟ قال لي : أو ما بلغك ما فيها ؟قلت : أنا عند منذ سنتين لم تحدثني ، قال : والله لا أحدثك بها إلى سنة ، فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة ، فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد ، قد مضت السنة . قال : حدثني أبو وائل ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : إن لعبدي هذا عندي عهداً ، وأنا أحق من وفي بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة " .

قوله تعالى : { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } . قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى ، حين تركوا الإسلام ، أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { إلا من بعد ما جاءهم العلم } . يعني بيان نعته في كتبهم . وقال الربيع بن أنس : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلاً من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة ، واستخلف يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم ، وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين ، حتى أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والاختلاف ، وذلك من بعد ما جاءهم العلم يعني بيان ما في التوراة .

قوله تعالى : { بغياً بينهم } . أي طلباً للملك والرياسة فسلط الله عليهم الجبابرة . وقال محمد بن جعفر بن الزبير : نزلت في نصارى نجران ومعناها : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ( يعني الإنجيل ) في أمر عيسى عليه السلام ، وفرقوا القول فيه ( إلا من بعد ما جاءهم العلم ) . بأن الله واجد ، وأن عيسى عبده ورسوله ( بغياً بينهم ) أي للمعاداة والمخالفة ( ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

ولما قرر أنه الإله الحق المعبود ، بين العبادة والدين الذي يتعين أن يعبد به ويدان له ، وهو الإسلام الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته التي دعت إليها رسله ، وحثت عليها كتبه ، وهو الذي لا يقبل من أحد دينا سواه ، وهو متضمن للإخلاص له في الحب والخوف والرجاء والإنابة والدعاء ومتابعة رسوله في ذلك ، وهذا هو دين الرسل كلهم ، وكل من تابعهم فهو على طريقهم ، وإنما اختلف أهل الكتاب بعد ما جاءتهم كتبهم تحثهم على الاجتماع على دين الله ، بغيا بينهم ، وظلما وعدوانا من أنفسهم ، وإلا فقد جاءهم السبب الأكبر الموجب أن يتبعوا الحق ويتركوا الاختلاف ، وهذا من كفرهم ، فلهذا قال تعالى { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } فيجازي كل عامل بعمله ، وخصوصا من ترك الحق بعد معرفته ، فهذا مستحق للوعيد الشديد والعقاب الأليم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

18

وقوله : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ } إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقي الله بعد بعثته محمدًا صلى الله عليه وسلم بدِين على غير شريعته ، فليس بمتقبل . كما قال تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ{[4902]} غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ]{[4903]} } [ آل عمران : 85 ] وقال في هذه الآية مخبرًا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ }

/خ19

ثم قال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } أي : من جحد بما أنزل{[4904]} الله في كتابه فإن الله سيجازيه على ذلك ، ويحاسبه على تكذيبه ، ويعاقبه على مخالفته كتابه{[4905]}


[4902]:في أ: "يتبع".
[4903]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[4904]:في أ، و: "أنزله".
[4905]:في أ، و: "بكتابه".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

{ إن الدين عند الله الإسلام } جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام ، وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وقرأ الكسائي بالفتح على أنه بدل من أنه بدل الكل أن فسر الإسلام بالإيمان ، أو بما يتضمنه وبدل اشتمال إن فسر بالشريعة . وقرئ أنه بالكسر وأن بالفتح على وقوع الفعل على الثاني ، واعتراض ما بينهما أو إجراء شهد مجرى قال تارة وعلم أخرى لتضمنه معناهما . { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } من اليهود والنصارى ، أو من أرباب الكتب المتقدمة في دين الإسلام فقال قوم إنه حق وقال قوم إنه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقا ، أو في التوحيد فثلثت النصارى { وقالت اليهود عزير ابن الله } . وقيل هم قوم موسى اختلفوا بعده . وقيل هم النصارى اختلفوا في أمر عيسى عليه السلام . { إلا من بعد ما جاءهم العلم } أي بعد ما علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالآيات والحجج . { بغيا بينهم } حسدا بينهم وطلبا للرئاسة ، لا لشبهة وخفاء في الأمر . { ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } وعيد لمن كفر منهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

قد تقدم ذكر اختلاف القراء في كسر الألف من { إن الدين } وفتحها ، و{ الدين } في هذه الآية الطاعة والملة ، والمعنى ، أن الدين المقبول أو النافع أو المقرر ، و{ الإسلام } في هذه الآية هو الإيمان والطاعة ، قاله أبو العالية وعليه جمهور المتكلمين ، وعبر عنه قتادة ومحمد بن جعفر بن الزبير بالإيمان .

قال أبو محمد رحمه الله : ومرادهما ، أنه من الأعمال ، و{ الإسلام } هو الذي سأل عنه جبريل النبي عليه السلام حين جاء يعلم الناس دينهم الحديث{[3032]} وجواب النبي له في الإيمان والإسلام يفسر ذلك ، وكذلك تفسيره قوله عليه السلام : بني الإسلام على خمس ، الحديث{[3033]} ، وكل مؤمن بنبيه ملتزم لطاعات شرعه فهو داخل تحت هذه الصفة ، وفي قراءة ابن مسعود «إن الدين عند الله للإسلام » باللام{[3034]} ثم أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب ، أنه كان على{[3035]} علم منهم بالحقائق ، وأنه كان بغياً وطلباً للدنيا ، قاله ابن عمر وغيره .

و { والذين أوتوا الكتاب } لفظ يعم اليهود والنصارى ، لكن الربيع بن أنس قال ، المراد بهذه الآية اليهود{[3036]} ، وذلك أن موسى عليه السلام ، لما حضرته الوفاة ، دعا سبعين حبراً من أحبار{[3037]} بني إسرائيل فاستودعهم التوراة ، عند كل حبر جزء ، واستخلف يوشع بن نون فلما مضت ثلاثة قرون ، وقعت الفرقة بينهم ، وقال محمد بن جعفر بن الزبير : المراد بهذه الآية النصارى ، وهي توبيخ لنصارى نجران ، و{ بغياً } نصب على المفعول من أجله أو على الحال من { الذين } ثم توعد عز وجل الكفار ، وسرعة الحساب يحتمل أن يراد بها سرعة مجيء القيامة والحساب إذ هي متيقنة الوقوع ، فكل آت قريب ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب أن الله تعالى بإحاطته بكل شيء علماً لا يحتاج إلى عد ولا فكرة ، قاله مجاهد .


[3032]:- الحديث مشهور-أخرجه البخاري، ومسلم، والإمام أحمد، والبزار، والطبراني في الكبير بروايات مختلفة. "مجمع الزوائد 1/38" والحديث مروي عن عمر بن الخطاب- وقد جاء فيه عن الإسلام والإيمان بلفظ مسلم: "وقال: يا محمد. أخبرني عن الإسلام، قال: "الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال. صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: "فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" (مشكاة المصابيح 1/9).
[3033]:- أخرجه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي-عن ابن عمر- حديث صحيح. الجامع الصغير 1/428- ونصه كما نقله في مشكاة المصابيح: (وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان). ثم قال: متفق عليه.
[3034]:- أي: المفتوحة.
[3035]:- في بعض الروايات: عن.
[3036]:- ما بين القوسين سقط في كثير من النسخ.
[3037]:-جاء في الصحاح: والحِبر والحَبر: واحد أحبار اليهود. قال أبو عبيد: والذي عندي أنه الحَبر. ومعناه: العالم بتحبير الكلام والعلم وتحسينه.