تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

{ إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن اسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد } .

المفردات :

بغيا بينهم : ظلما قائما فيهم وحسدا موجودا في بيئتهم .

التفسير :

19 – { إن الدين عند الله الإسلام . . . } الإسلام هنا معناه إخلاص الوجه لله تعالى فاليهودية إسلام في مدتها والمسيحية إسلام في فترتها والرسالة المحمدية إسلام بمعنى إخلاص الوجه لله والامتثال لطاعته .

و تسمية أتباع الدين الإسلامي في العصر الحاضر بالمسلمين كانت تسمية سابقة على وجودهم الزمني قال تعالى : { و جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتنابكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس } . ( الحج 78 ) .

و إذا تتبعنا المعنى اللغوي لكلمة إسلام والمعنى الشرعي لها خرجنا بالنتائج الآتية :

- إن الدين وإسلام الوجه لله والتوحيد والإسلام كلها بمعنى واحد يفسر بعضها بعضا ويشرح بعضها بعضا .

- إن جوهر الشخصية الإسلامية أو شخصية المسلم في إسلام الوجه لله والتوحيد أو التدين الصادق أو الإسلام .

يقول ابن الأنباري المتوفى سنة 328ه في المعنى اللغوي للإسلام : المسلم معناه المخلص لله في عباداته من قولهم سلم الشيء لفلان خلص له فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى .

و الإسلام لا يشير إلى شخص معين ولا إلى شعب معين ولا إلى إقليم معين ولا يحد بالبعثة المحمدية فرسالة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى هي الإسلام بنص القرآن الكريم .

قال تعالى : { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين } ( آل عمران 67 ) .

ومن دعاء يوسف الصديق :

{ رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين } . ( يوسف 101 ) .

- و قال سيدنا موسى لقومه :

{ يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمون } ( يونس 84 ) .

و في شأن عيسى يقول القرآن الكريم :

{ فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } ( آل عمران 52- 53 ) .

معنى الآية :

إن الملة المرضية عند الله هي الإسلام فلا يقبل من احد دين غيره بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرسله مصدقا لما سبقه من الرسل والكتب ومهيمنا عليها يقر صحيحها ويقوم عوجها وينسخ ما قبله من الأديان والشرائع .

و كما أن الإسلام هو دين هذه الأمة الذي رضيه لها فهو دين جميع الانبياء والمرسلين وأممهم من قبل محمد صلى الله عليه وسلم فهو دين دائما في جميع الأزمان لاشتماله على توحيده تعالى وتنزيهه عن الصاحبة والولد واحتوائه على أصول الشرائع المشتركة بينهما . . . أما الفروع فإنها مختلفة باختلاف الأمم قال تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } ( المائدة 48 ) .

فإن ما يصلح منها لأمة لا يصلح لأمة أخرى .

" فالصيام مشروع في جميع الأديان ولكن كيفيته تختلف باختلاف الأمم والميراث مشروع في جميع الشرائع ولكن كيفيته تختلف باختلاف الأمم وهكذا الامر بالنسبة لباقي الأحكام " ( 141 ) .

{ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم } لقد أخذ الله الميثاق على الانبياء والرسل أن يصدق بعضهم بعضا وان يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم عند ظهروه وكان اليهود يبشرون بنبي سيظهر ويستفتحون به ويدعون الله أن ينصرهم بسببه .

و من دعاء اليهود في حروبهم مع المشركين :

( اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث آخر الزمان ) .

و كانوا يقولون لأعدائهم المشركين :

قد أظل زمان بنبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم .

فلما ظهر الإسلام آمن بعضهم كعبد الله بن سلام وزيد ابن سعنة من أحبار اليهود وكفر أكثرهم من بعد ما جاءهم العلم اليقيني بأنه الحق إذ جاء الإسلام ونبيه وفق أوصافه ونعوته في كتبهم .

و ما كان اختلافهم فيه - من بعدما آتاهم العلم - إلا بغيا وحسدا .

قال تعالى : { أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } ( النساء 54 ) .

{ بغيا بينهم } أي حسدا كائنا بينهم وطلبا للرئاسة وهذا تشنيع عليهم إثر تشنيع .

{ و من يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } .

المعنى :

و من يجحد آيات الله الشاهدة بالإسلام هو الدين عند الله فإنه تعالى يجازيه ويعاقبه على كفره عن قريب فإنه سريع الحساب .

قال أبو السعود في التفسير :

{ فإن الله سريع الحساب } قائم مقام جواب الشرط علة له أي ومن يكفر بآياته تعالى فإن حسابه يأتي عن قريب أو يتم حسابه بسرعة فإن الله سريع الحساب .

و إظهار الجلالة لتربية المهابة وإدخال الروعة وفي ترتيب العقاب على مطلق الكفر بآياته تعالى من غير تعرض لخصوصية حالهم من كون كفرهم بعد إتيان الكتاب وحصول الاطلاع على ما فيه وكون ذلك للبغي دلالة على كمال شدة عقابهم ( 142 ) .