بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

ثم قال عز وجل { إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام } قرأ الكسائي إنَّ { الدين } بالنصب على معنى البناء يعني شهدوا أنه لا إله إلا هو ، وأَنَّ الدين عند الله الإسلام ، والباقون بالكسر على معنى الابتداء ، ومعناه إن الدين المرضيَّ عند الله الإسلام { وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب } في هذا الدين { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم بَغْيًا بَيْنَهُمْ } يعني بيان أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم اليهود والنصارى ، فلما بعث الله تعالى محمداً ، كفروا حسداً منهم ، هكذا قال مقاتل . ويقال : إنهم كانوا مسلمين ، وكانا يسمّون بذلك ، وكان عيسى عليه السلام سمى أصحابه مسلمين ، فحسدتهم اليهود لمشاركتهم في الاسم فغيَّروا ذلك الاسم ، وسُمُّوا يهوداً ، وأما النصارى فغيرهم عن ذلك الاسم بولس ، وسماهم نصارى ، فذلك قوله : { وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم بَغْيًا بَيْنَهُمْ } يعني غَيّروا الاسم حسداً منهم ثم قال : { وَمَن يَكْفُرْ بآيات الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } لأنه قد جاء في آية أخرى { وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ } [ النحل : 77 ] وقوله : { سَرِيعُ الحساب } يعني سريع المجازاة ويقال سريع التعريف للعامل عمله ، لأنه عالم بجميع ما عملوا ، لا يحتاج إلى إثبات شيء ، وتذكر شيء . ويقال : إذا حاسب ، فحسابه سريع يحاسب جميع الخلق في وقت واحد ، كل واحد منهم يظن أنه يحاسبه خاصة .