فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

( إن الدين عند الله ) جملة مستأنفة وآية مستقلة على قراءة كسر " إن " وأما على قراءة فتحها فهو من بقية الآية السابقة ( الإسلام ) يعني الدين المرضي هو الإسلام المبني على التوحيد كما قال تعالى ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) قال الزجاج الدين اسم لجميع ما تعبد الله به خلقه وأمرهم بالإقامة عليه ، والإسلام هو الدخول في السلم ، وهو الانقياد في الطاعة .

وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان وإن كانا في الأصل متغايرين كما في حديث جبريل الذي بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم معنى الإسلام والإيمان وصدقه جبريل وهو في الصحيحين وغيرهما ، ولكن قد يسمى كل واحد منهما باسم الآخر وقد ورد في الكتاب والسنة .

قال قتادة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء به الرسول من عند الله ، وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ، ودل عليه أولياءه لا يقبل غيره ، وعن الضحاك قال لم يبعث الله رسولا إلا بالإسلام ، وعن الأعمش قال أنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي وديعة عند الله ، وقرأ ( إن الدين عند الله الاسلام ) قالها مرارا .

قلت وأنا أيضا أشهد كما شهد الأعمش وبالله التوفيق .

( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ) فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود والنصارى كان لمجرد البغي بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم ، قال الأخفش وفي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى ما اختلف الذين أوتوا الكتاب أي بنو إسرائيل بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم .

وفي التعبير عنهم بهذا العنوان زيادة تقبيح لهم فإن الاختلاف بعد إتيان الكتاب أقبح وقوله ( إلا من بعد ) زيادة أخرى فإن الاختلاف بعد العلم أزيد في القباحة ، وقوله بغيا بينهم زيادة ثالثة لأنه في حيز الحصر فيكون أزيد في القبح .

والكتاب هو التوراة والإنجيل ، والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو خلافهم في كون نبينا صلى الله عليه وسلم نبي أم لا ، وقيل في دين الإسلام فقال قوم إنه حق وقال قوم إنه مخصوص بالعرب ، ونفاه آخرون مطلقا ، وقيل في التوحيد ، فثلثت النصارى ، وقالت اليهود عزير ابن الله . وقيل اختلافهم في نبوة عيسى ، وقيل اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء .

قال أبو العالية بغيا على الدنيا وطلب ملكها وسلطانها فقتل بعضهم بعضا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس وسلط الله عليهم الجبابرة .

( ومن يكفر بآيات الله ) الدالة على أن الدين عند الله الإسلام أو بأي آية كانت ، على أن يدخل فيها ما نحن فيه دخولا أوليا ( فإن الله سريع الحساب ) يجازيه ويعاقبه على كفره بآياته ، والإظهار في قوله ( فإن الله ) مع كونه مقام الإضمار للتهويل عليهم والتهديد لهم .