فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

قوله : { إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام } قرأه الجمهور بكسر إن على أن الجملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى ، وقرئ بفتح أن . قال الكسائي : أنصبهما جميعاً يعني قوله : { شَهِدَ الله أَنَّهُ } وقوله : { إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام } بمعنى شهد الله أنه كذا ، وأن الدين عند الله الإسلام . قال ابن كيسان : إن الثانية بدل من الأولى . وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان ، وإن كانا في الأصل متغايرين ، كما في حديث جبريل الذي بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم معنى الإسلام ، ومعنى الإيمان ، وصدقه جبريل ، وهو في الصحيحين ، وغيرهما ولكنه قد يسمى كل واحد منهما باسم الآخر ، وقد ورد ذلك في الكتاب والسنة . قوله : { وَمَا اختلف الذين أُوتُوا الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم بَغْيًا بَيْنَهُمْ } فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود ، والنصارى كان لمجرد البغي بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم . قال الأخفش : وفي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغياً بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم . والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو خلافهم في كون نبينا صلى الله عليه وسلم نبياً أم لا ؟ وقيل : اختلافهم في نبوّة عيسى ، وقيل : اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود : ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء . قوله : { وَمَن يَكْفُرْ بآيات الله } أي : بالآيات الدالة على أن الدين عند الله الإسلام { فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } فيجازيه ، ويعاقبه على كفره بآياته ، والإظهار في قوله : { فإن الله } مع كونه مقام الإضمار للتهويل عليهم ، والتهديد لهم .

/خ20