لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

قوله عز وجل : { إن الدين عند الله الإسلام } يعني أن الدين المرضي عند الله هو الإسلام كما قال تعالى : { ورضيت لكم الإسلام ديناً } . وفيه رد على اليهود والنصارى وذلك لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية ، وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية رد الله عليهم ذلك فقال : إن الدين عند الله الإسلام . وقرئ أن الدين بفتح الهمزة رداً على أن الأولى والمعنى شهد الله أنه لا إله إلاّ هو ، وشهد أن الدين عند الله الإسلام ، وأصل الدين في اللغة الجزاء . يقال : كما تدين تدان ثم صار اسماً للملة والشريعة ، ومعناه الانقياد للطاعة والشريعة ، قال الزجاج الدين اسم لجميع ما تعبد الله به خلقه وأمرهم بالإقامة عليه ، والإسلام هو الدخول في السلم وهو والاستسلام والانقياد والدخول في الطاعة .

{ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام . والمعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم { إلا من بعد ما جاءهم العلم } يعني بيان نعته وصفته في كتبهم .

وقال الربيع : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلاً من خيار بني إسرائيل وأودعهم التوراة واستخلف يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة والاختلاف بينهم ، وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين حتى أهرقوا الدماء ووقع الشر والاختلاف ، وذلك بعد ما جاءهم العلم يعني بيان ما في التوراة من الأحكام { بغياً بينهم } أي طلباً بينهم للملك والرياسة فسلط الله عليهم الجبابرة .

وقيل : نزلت في نصارى نجران . ومعناه : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب يعني الإنجيل . واختلافهم كان في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام ، وما ادعوا فيه من الإلهية إلا من بعد ما جاءهم العلم . يعني بأن الله تعالى واحد أحد وأن عيسى عبده ورسوله ، بغياً بينهم يعني المعاداة والمخالفة .

{ ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } فيه وعيد وتهديد لمن أصر على الكفر من اليهود والنصارى الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .