غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

12

{ إن الدين عند الله الإسلام } جملة مستأنفة مؤكدة للأولى . والدين في اللغة الجزاء ثم الطاعة . سميت ديناً لأنها سبب الجزاء . والإسلام في اللغة الانقياد والدخول في السلم أو في السلامة أو في إخلاص العبادة من قولهم : " سلم له الشيء " أي خلص له . والإسلام في عرف الشرع يطلق تارة على الإقرار باللسان في الظاهر ومنه قوله تعالى :{ قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا }[ الحجرات : 17 ] ويطلق أخرى على الانقياد الكلي وهو المراد ههنا . وفيه إيذان بأن الدين هو العدل والتوحيد . أما التوحيد فأن يعلم أن الله تعالى لا شريك له ولا نظير في الذات ولا في صفة من الصفات كما شهد هو به ، وأما العدل فهو أن يعلم أن كل ما خلق وأمر المكلف به ونهاه عنه فإنه عدل وصواب وفيه حكم ومصالح ، فيأتمر بذلك وينتهي عنه ليكون عبداً منقاداً معترفاً بأنه تعالى قائم بالقسط . ومن قرأ بفتح " أن " فتقديره عند البصريين ذلك بدل من الأول ، بدل الكل فكأنه قيل : شهد الله أن الدين عند الله الإسلام فيكون من باب وضع الظاهر موضع المضمر كقوله :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء *** . . .

وقيل : تقديره شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام . وقيل : شهد الله أنه لا إله إلا هو أن الدين عند الله الإسلام . لأن كونه تعالى واحداً يوجب أن يكون الدين الحق هو الإسلام ، لأن دين الإسلام مشتمل على هذه الوحدانية . وقرئ الأول بالكسر والثاني بالفتح على أن الفعل واقع على الثاني وما بينهما اعتراض . ثم ذكر أنه أوضح الدلائل وأزل الشبهات ، والقوم ما كفروا إلا لقصورهم وتقصيرهم فقال : { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } قيل : هم اليهود واختلافهم أن موسى عليه السلام لما قرب وفاته سلم التوراة إلى سبعين رجلاً من الأحبار وجعلهم أمناء عليها واستخلف يوشع ، فلما مضى قرن بعد قرن اختلف أبناء السبعين بعد ما جاءهم التوراة بغياً بينهم وتحاسداً على طلب الدنيا .

وقيل : المراد النصارى واختلافهم في أمر عيسى عليه السلام بعد ما جاءهم العلم أنه عبد الله ورسوله . وقيل : المراد اليهود والنصارى واختلافهم هو أنه قالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله . وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : نحن أحق بالنبوة من قريش لأنهم أميون ونحن أهل كتاب . { إلا من بعد ما جاءهم العلم } أي الدلائل التي لو نظروا فيها لحصل لهم العلم . لأنا لو حملناه على العلم لزم نسبة العناد إلى جمع عظيم وهو بعيد قاله في التفسير الكبير . { ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } لا يصعب عليه عدة أفعاله ومعاصيه وإن كانت كثيرة ، أو المراد أنه سيصل إلى الله سريعاً فيحاسبه أي يجازيه على كفره .

/خ25