معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

{ قل هو الذي ذراكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين* فلما رأوه } يعني : العذاب في الآخرة -على قول أكثر المفسرين- وقال مجاهد : يعني العذاب ببدر ، { زلفةً } أي قريباً ، وهو اسم يوصف به المصدر ، ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، والواحد والاثنان والجميع ، { سيئت وجوه الذين كفروا } اسودت وعلتها الكآبة ، فالمعنى قبحت وجوههم بالسواد ، يقال : ساء الشيء يسوء فهو سيء إذا قبح ، وسيء يساء إذا قبح ، { وقيل } لهو الذي قال لهم الخزنة ، { هذا } أي هذا العذاب ، { الذي كنتم به تدعون } تفتعلون من الدعاء ، أي : أن تدعوه وتتمنوه أن يعجل لكم ، وقرأ يعقوب { تدعون } بالتخفيف ، وهي قراءة قتادة ، ومعناهما واحد ، مثل تذكرون وتذكرون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

{ 27 - 30 } { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ }

يعني أن محل تكذيب الكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا ، فإذا كان يوم الجزاء ، ورأوا العذاب منهم { زُلْفَةً } أي : قريبًا ، ساءهم ذلك وأفظعهم ، وقلقل أفئدتهم ، فتغيرت لذلك وجوههم ، ووبخوا على تكذيبهم ، وقيل لهم هذا الذي كنتم به تكذبون ، فاليوم رأيتموه عيانًا ، وانجلى لكم الأمر ، وتقطعت بكم الأسباب ولم يبق إلا مباشرة العذاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

قال الله تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ، ورأوا أن الأمر كان قريبا ؛ لأن كل ما هو آتٍ آتٍ وإن طال زمنه ، فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك ، لما يعلمون ما لهم هناك من الشر ، أي : فأحاط بهم ذلك ، وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب ، { وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا{[29120]} وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الزمر : 47 ، 48 ] ؛ ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ : { هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ } أي : تستعجلون .


[29120]:- (4) في م (ما عملوا) وهو خطأ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

وقوله : { فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الّذِينَ كَفَرُوا } يقول تعالى ذكره : فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله زلفة : يقول : قريبا ، وعاينوه ، سيئت وجوه الذين كفروا ، يقول : ساء الله بذلك وجوه الكافرين . وبنحو الذي قلنا في قوله : زُلْفَة ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ ، قال : لما عاينوه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، قال : سألت الحسن ، عن قوله : فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَة ، قال : معاينة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً قال : قد اقترب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجوهُ الّذِينَ كَفَرُوا ، لما عاينت من عذاب الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً قال : لما رأوا عذاب اللّه زُلفة ، يقول : سيئت وجوههم حين عاينوا من عذاب الله وخزيه ما عاينوا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ ، قيل : الزلفة حاضر ، قد حضرهم عذاب الله عزّ وجلّ .

{ وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ } يقول : وقال الله لهم : هذا العذاب الذي كنتم به تذكرون ربكم أن يعجله لكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ ، قال : استعجالهم بالعذاب .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ ، بتشديد الدال ، بمعنى تفتعلون من الدعاء .

وذُكر عن قتادة والضحاك أنهما قرءا ذلك : «تَدْعُونَ » بمعنى تفعلون في الدنيا .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرنا أبان العطار وسعيد بن أبي عُروبة ، عن قتادة أنه قرأها : «الذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدْعُونَ » خفيفة ، ويقول : كانوا يدعون بالعذاب ، ثم قرأ : { وَإذْ قالُوا اللهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِندِكَ فأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بعَذَابٍ أليمٍ } .

والصواب من القراءة في ذلك ، ما عليه قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

( فلما رأوه ) ، أي الوعد ، فإنه بمعنى الموعود ، ( زلفة ) : ذا زلفة أي قرب منهم ، سيئت وجوه الذين كفروا ، بأن علتها الكآبة ، وساءتها رؤية العذاب ، ( وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ) تطلبون وتستعجلون ، تفتعلون من الدعاء ، أو تدعون أن لا بعث ، فهو من الدعوى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

( لما ) حرف توقيت ، أي سيئت وجوههم في وقت رؤيتهم الوعد .

والفاء فصيحة لأنها اقتضت جملة محذوفة تقديرها : فحل بهم الوعد فلما رأوهُ الخ ، أي رأوا الموعود به .

وفعل { رأوه } مستعمل في المستقبل ، وجيء به بصيغة الماضي لشبهه بالماضي في تحقق الوقوع مثل { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] لأنه صادر عمن لا إخلاف في أخباره فإن هذا الوعد لم يكن قد حصل حين نزول الآية بمكة سواء أريد بالوعد الوعد بالبعث كما هو مقتضى السياق أم أريد به وعد النصر ، بقرينة قوله : { ويقولون متى هذا الوعد } [ الملك : 25 ] فإنه يقتضي أنهم يقولونه في الحال وأن الوعد غير حاصل حين قولهم لأنهم يسألون عنه ب { متى } .

ونظير هذا الاستعمال قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } في سورة النساء ( 41 ) وقوله تعالى : { ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء } في سورة النحل ( 89 ) إذ جمع في الآيتين بين فعل { نبعث } مضارعاً وفعل { جئنا } ماضياً .

وأصل المعنى : فإذا يرونه تساء وجوه الذين كفروا الخ ، فعدل عن ذلك إلى صوغ الوعيد في صورة الإخبار عن أمر وقع فجيء بالأفعال الماضية .

وضمير { رأوه } عائد إلى { الوعد } [ الملك : 25 ] بمعنى : رأوا الموعود به .

والزُلفة بضم الزاي : اسم مصدر زَلف إذا قرب وهو من باب تعب . وهذا إخبار بالمصدر للمبالغة ، أي رأوه شديد القرب منهم ، أي أخذ ينالهم .

و { سيئت } بني للنائب ، أي ساء وجوهَهم ذلك الوعد بمعنى الموعود . وأسند حصول السوء إلى الوجوه لتضمينه معنى كَلَحَتْ ، أي لأنه سوء شديد تظهر آثار الانفعال منه على الوجوه ، كما أسند الخوف إلى الأعين في قول الأعشى :

وأقدِم إذا ما أعيُن الناس تَفْرَقُ

{ وقيل } أي لهم .

و { تدَّعون } بتشديد الدال مضارع ادَّعى . وقد حذف مفعوله لظهوره من قوله : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ الملك : 25 ] ، أي تدَّعون أنه لا يكون .

و{ به } متعلق ب { تدعون } لأنه ضمّن معنى « تكذّبون » فإنه إذا ضمّن عامل معنى عامل آخر يحذف معمول العامل المذكور ويذكر معمول ضمنه ليدل المذكور على المحذوف . وذلك ضرب من الإيجاز .

وتقديم المجرور على العامل للاهتمام بإخطاره وللرعاية على الفاصلة . والقائل لهم { هذا الذي كنتم به تدَّعون } ملائكة المحشر أو خَزنَة جهنم ، فعدل عن تعيين القائل ، إذ المقصود المقول دون القائل فحذْف القائل من الإِيجاز .

والقصر المستفاد من تعريف جزأي الإسناد تعريضٌ بهم بأنهم من شدة جحودهم بمنزلة من إذا رأوا الوعد حسبوه شيئاً آخر على نحو قوله تعالى : { فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا } [ الأحقاف : 24 ] .

وقرأ الجمهور { سِيئت } بكسرة السين خالصة ، وقرأه ابن عامر والكسائي بإشمام الكسرة ضمة ، وهما لغتان في فاء كل ثلاثي معتل العين إذا بُني للمجهول .

وقرأ الجمهور { تَدَّعون } بفتح الدال المشددة وقرأه يعقوب بسكون الدال من الدعاء ، أي الذي كنتم تدعون الله أن يصيبكم به تهكماً وعناداً كما قالوا { فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .