فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

{ فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ( 27 ) }

ثم ذكر سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال { فلما رأوه زلفة } الفاء فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترتيب الشرطية عليهما ، كأنه قيل وقد أتاهم الموعود به فرأوه فلما رأوه الخ . وزلفة مصدر بمعنى الفاعل أي مزدلفا ، أو حال من المفعول أو ذا زلفة وقرب ، أو رأوه في مكان ذا زلفة ، قال مجاهد : أي قريبا ، وقال الحسن : عيانا . وأكثر المفسرين على أن المراد عذاب الآخرة يوم القيامة ، وقال مجاهد : المراد عذاب بدر ، وقيل رأوا ما وعدوا به من الحشر قريبا منهم كما يدل عليه قوله { وإليه تحشرون } وقيل لما رأوا عملهم السيئ قريبا .

{ وسيئت وجوه الذين كفروا } أي اسودت وعلتها الكآبة والقترة ، وغشيتها الذلة والسواد . يقال ساء الشيء يسوء فهي سيء إذا قبح ، والأصل ساء وجوههم العذاب ورؤيته أي حزنها ، وساءت هنا ليست هي المرادفة لبئس . والمقام للضمير وأتى بالمظهر توصلا لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به ، قال الزجاج : المعنى تبين فيها السوء ، أي ساءهم ذلك العذاب فظهر عليه بسببه في وجوههم ما يدل على كفرهم ، كقوله : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } قرأ الجمهور سيئت بكسر السين بدون إشمام ، وقرئ بالإشمام .

{ وقيل } لهم توبيخا وتقريعا { هذا } المشاهد الحاضر من العذاب هو العذاب { الذي كنتم به تدعون } في الدنيا ، أي تطلبونه وتستعجلون به استهزاء ، على أن معنى تدعون الدعاء ، قال الفراء : تدعون تفتعلون من الدعاء أي تتمنون وتسألون ، وبهذا قال الأكثر من المفسرين ، وقال الزجاج : تدعون الأباطيل والأحاديث . وقيل معنى تدعون تكذبون ، هذا على قراءة الجمهور تدعون بالتشديد ، فهو إما من الدعاء كما قال الأكثر ، أو من الدعوى كما قال الزجاج ومن وافقه .

والمعنى أنهم كانوا يدعون أنه لا بعث ولا حشر ، ولا جنة ولا نار ، وقرئ تدعون مخففا ، ومعناها ظاهر ، وهي مؤيدة للقول بأنها من الدعاء ، قال قتادة : هو قولهم : { ربنا عجل لنا قطنا } وقال الضحاك : هو قولهم { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } الآية ، قال النحاس : تدّعون وتدعون بمعنى واحد ، كما تقول قدر واقتدر ، وغدى واغتدى ، إلا أن افتعل معناه مضى شيئا بعد شيء ، وفعل يقع على القليل والكثير .