ثم ذكر الله سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال : { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً } يعني : رأوا العذاب قريباً ، وزلفة مصدر بمعنى الفاعل : أي مزدلفاً أو حال من مفعول رأوا بتقدير مضاف : أي ذا زلفة وقرب ، أو ظرف : أي رأوه في مكان ذي زلفة . قال مجاهد : أي قريباً . وقال الحسن : عياناً . قال أكثر المفسرين : المراد عذاب يوم القيامة ، وقال مجاهد : المراد عذاب بدر ، وقيل : رأوا ما وعدوا به من الحشر قريباً منهم ، كما يدلّ عليه قوله : { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } وقيل : لما رأوا عملهم السيئ قريباً { سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ } أي اسودّت وعلتها الكآبة وغشيتها الذلة ، يقال : ساء الشيء يسوء ، فهو سيء إذا قبح . قال الزجاج : المعنى تبين فيها السوء : أي ساءهم ذلك العذاب ، فظهر عليهم بسببه في وجوههم ما يدلّ على كفرهم كقوله : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] . قرأ الجمهور بكسر السين بدون إشمام ، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وابن محيصن بالإشمام { وَقِيلَ هذا الذي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } أي قيل لهم توبيخاً وتقريعاً : هذا المشاهد الحاضر من العذاب ، هو العذاب الذي كنتم به تدّعون في الدنيا : أي تطلبونه وتستعجلون به استهزاءً ، على أن معنى { تدّعون } الدعاء . قال الفراء : تدّعون تفتعلون من الدعاء : أي تتمنون وتسألون ، وبهذا قال الأكثر من المفسرين . وقال الزجاج : هذا الذي كنتم به تدّعون الأباطيل والأحاديث . وقيل : معنى { تَدّعُونَ } : تكذبون ، وهذا على قراءة الجمهور : { تَدَّعُونَ } بالتشديد ، فهو إما من الدعاء كما قال الأكثر ، أو من الدعوى كما قال الزجاج ومن وافقه ، والمعنى : أنهم كانوا يدّعون أنه لا بعث ولا حشر ولا جنة ولا نار . وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق ويعقوب والضحاك : «تَدْعُونَ » مخففاً ، ومعناها ظاهر . قال قتادة : هو قولهم : { رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا } [ ص : 16 ] . وقال الضحاك : هو قولهم : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السَّمَاء } [ الأنفال : 32 ] الآية . قال النحاس : تدّعون وتدعون بمعنى واحد ، كما تقول قدر واقتدر ، وغدا واغتدى ، إلاّ أنّ أفعل معناه مضى شيئًا بعد شيء ، وفعل يقع على القليل والكثير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.