معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

قوله تعالى : { ليغفر } لام كي ، معناه : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح . وقال الحسين بن الفضل : هو مردود إلى قوله : { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } ( محمد-19 ) { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } و { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات } الآية . وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره } ( النصر-1-3 ) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة ، وما تأخر إلى وقت نزول هذه السورة . وقيل : ما تأخر مما يكون ، وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء . وقال سفيان الثوري : ما تقدم مما عملت في الجاهلية ، وما تأخر : كل شيء لم تعمله ، ويذكر مثل ذلك على طريق التأكيد ، كما يقال أعطى من رآه ومن لم يره ، وضرب من لقيه ومن لم يلقه . وقال عطاء الخراساني : ما تقدم من ذنبك : يعني ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك ، وما تأخر من ذنب أمتك بدعوتك . { ويتم نعمته عليك } بالنبوة والحكمة ، { ويهديك صراطاً مستقيماً } أي : يثبتك عليه ، والمعنى ليجمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى الصراط المستقيم وهو الإسلام . وقيل : { ويهديك } أي يهدي بك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

{ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } وذلك -والله أعلم- بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة ، والدخول في الدين بكثرة ، وبما تحمل صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط التي لا يصبر عليها إلا أولو العزم من المرسلين ، وهذا من أعظم مناقبه وكراماته صلى الله عليه وسلم ، أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .

{ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } بإعزاز دينك ، ونصرك على أعدائك ، واتساع كلمتك ، { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } تنال به السعادة الأبدية ، والفلاح السرمدي .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

وقوله : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } : هذا من خصائصه - صلوات الله وسلامه عليه - التي لا يشاركه فيها غيره . وليس صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو - صلوات الله وسلامه عليه - في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه ، لا من الأولين ولا من الآخرين ، وهو أكمل البشر على الإطلاق ، وسيدهم في الدنيا والآخرة . ولما كان أطوع خلق الله لله ، وأكثرهم{[26761]} تعظيما لأوامره{[26762]} ونواهيه . قال حين بركت به الناقة : " حبسها حابس الفيل " ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها " {[26763]} فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح ، قال الله له : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } أي : في الدنيا والآخرة ، { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } أي : بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم .


[26761]:- (2) في ت، أ: "وأشدهم"
[26762]:- (3) في ت: "لأوامر الله".
[26763]:- (4) رواه البخاري في صحيحه برقم (2731، 2732).