إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

وقولُه تعالى : { ليَغْفِرَ لَكَ الله } غايةٌ للفتحِ منْ حيثُ إنَّه مترتبٌ على سعيهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في إعلاءِ كلمةِ الله تعالى بمكابدةِ مشاقِّ الحروبِ واقتحامِ مواردِ الخطوبِ ، والالتفاتُ إلى اسم الذاتِ المستتبعِ لجميعِ الصفاتِ للإشعارِ بأن كلَّ واحدٍ ممَّا انتظم في سلك الغايةِ من أفعالِه تعالى صادرٌ عنه تعالى من حيثيةٍ غيرِ حيثيةِ الآخرِ مترتبةٍ على صفةٍ من صفاتِه تعالى : { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } أي جميعَ ما فرَطَ منك من تركِ الأَوْلى ، وتسميتُه ذنباً بالنظرِ إلى منصبه الجليلِ . { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } بإعلاءِ الدِّين وضمِّ الملكِ إلى النبوةِ وغيرهما مما أفاضَه عليه من النعمِ الدينيةِ والدنيويةِ . { وَيَهْدِيَكَ صراطا مُّسْتَقِيماً } في تبليغِ الرسالةِ وإقامةِ مراسمِ الرياسةِ . وأصلُ الاستقامةِ وإن كانتْ حاصلةً قبلَ الفتحِ لكنْ حصلَ بعد ذلكَ من اتِّضاحِ سبلِ الحقِّ واستقامةِ مناهجهِ ما لم يكُنْ حاصلاً قبلُ .