فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

{ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } اللام متعلقة ب { فتحنا } ، وهي لام العلة . قال ابن الأنباري : سألت أبا العباس : يعني المبرد عن اللام في قوله : { لّيَغْفِرَ لَكَ الله } فقال : هي لام كي معناها : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ؛ لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح ، فلما انضمّ إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معنى كي ، وغلط من قال ليس الفتح سبب المغفرة . وقال صاحب الكشاف : إن اللام لم تكن علة للمغفرة ؛ ولكن لاجتماع ما عدّد من الأمور الأربعة وهي : المغفرة ، وإتمام النعمة ، وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز . كأنه قيل : يسرنا لك فتح مكة ، ونصرناك على عدوّك ؛ لنجمع لك بين عزّ الدارين ، وأعراض العاجل والآجل . وهذا كلام غير جيد ، فإن اللام داخلة على المغفرة فهي علة للفتح ، فكيف يصح أن تكون معللة . وقال الرازي في توجيه التعليل : إن المراد بقوله : { لّيَغْفِرَ لَكَ الله } التعريف بالمغفرة ، تقديره : إنا فتحنا لك ؛ لتعرف أنك مغفور لك معصوم . وقال ابن عطية : المراد أن الله فتح لك ؛ لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك ، فكأنها لام الصيرورة . وقال أبو حاتم : هي لام القسم وهو خطأ ، فإن لام القسم لا تكسر ، ولا ينصب بها .

واختلف في معنى قوله : { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } فقيل : ما تقدّم من ذنبك قبل الرسالة ، وما تأخر بعدها ؛ قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم . وقال عطاء : ما تقدّم من ذنبك ، يعني : ذنب أبويك آدم وحوّاء ، وما تأخر من ذنوب أمتك . وما أبعد هذا عن معنى القرآن . وقيل : ما تقدّم من ذنب أبيك إبراهيم ، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده ، وهذا كالذي قبله . وقيل : ما تقدّم من ذنب يوم بدر ، وما تأخر من ذنب يوم حنين ، وهذا كالقولين الأولين في البعد . وقيل : لو كان ذنب قديم ، أو حديث ؛ لغفرنا لك ، وقيل غير ذلك مما لا وجه له ، والأوّل أولى . ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى ، وسمي ذنباً في حقه لجلالة قدره ، وإن لم يكن ذنباً في حق غيره . { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } بإظهار دينك على الدين كله ، وقيل : بالجنة ، وقيل : بالنبوّة والحكمة ، وقيل : بفتح مكة والطائف وخيبر ، والأولى أن يكون المعنى : ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة ، والهداية إلى صراط مستقيم ، وهو الإسلام . ومعنى { يهديك } : يثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه .

/خ7