فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

{ ليغفر لك الله } اللام هي لام العلة قال ابن الأنباري : سألت أبا العباس يعني المبرد عن اللام هذه فقال : هي لام كي معناها إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معنى كي وغلط من قال ليس الفتح سبب المغفرة وقال الزمخشري : فإن قلت كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة قلت لم يجعل علة للمغفرة ولكنه علة لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة : وهي المغفرة ، وإتمام النعمة ، وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز ، كأنه قيل يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين وأغراض الآجل والعاجل قال ابن عادل وغيره : وهذا كلام غير جيد مخالف لظاهر الآية ، فإن اللام داخلة على المغفرة ، فهي علة للفتح ، والفتح معلل بها ، وقيل غير ذلك ، والأسلم ما اقتصر عليه المحلي كما يأتي .

وقال الرازي في توجيه التعليل : إن المراد بقوله : ليغفر لك الله التعريف بالمغفرة تقديره إنا فتحنا لك لتعرف أنك مغفور لك معصوم ، فإن الناس علموا بعد عام الفيل أن مكة لا يأخذها عدو الله ، وإنما يأخذها حبيب الله ، وقال ابن عطية : المراد أن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك ، فكأنها لام الصيرورة ، وقال أبو حاتم : هي لام القسم والأصل ليغفرن فكسرت اللام تشبيها بلام الكي ، وحذفت النون ، وهو خطأ فإن لام القسم لا تكسر ولا تنصب المضارع .

قال ابن عادل : وقد يقال :إن هذا ليس بنصب ، وإنما هو بقاء للفتح الذي كان قبل نون التوكيد بقي ليدل عليها ، ولكن هذا وقل مردود ، وقال البيضاوي اللام علة للفتح ، من حيث إنه مسبب عن جهاد الكفار ، والسعي في إعلاء الدين وإزاحة الشرك وتكميل النفوس الناقصة ، وقال الجلال المحلي : اللام : للعلة الغائبة فمدخولها مسبب لا سبب .

واختلف في معنى قوله : { ما تقدم من ذنبك وما تأخر } فقيل : ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة وما تأخر بعدها ، قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم ، وقال عطاء : { ما تقدم من ذنبك } يعني : ذنب أبويك آدم وحواء ، وما تأخر من ذنوب أمتك ، وما أبعد هذا عن معنى القرآن ، وقيل : ما تقدم من ذنب أبيك إبراهيم ، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده ، وهذا كالذي قبله ، وقيل : ما تقدم من ذنب يوم بدر وما تأخر من ذنب يوم حنين ، وهذا كالقولين الأولين في البعد وقيل : لو كان ذنب قديم أو حديث لغفرانه لك ، وقيل غير ذلك مما لا وجه له والأول أولى ، ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى وسمي ذنبا في حقه لجلالة قدره وإن لك يكن ذنبا في حق غيره فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما ، عن المغيرة بن شعبة قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه ، فقيل له : أليس قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا " وفي الباب أحاديث .

{ ويتم نعمته عليك } بإظهار دينك على الدين كله وقيل بالجنة وقيل بالنبوة والحكمة ، وقيل بفتح مكة والطائف وخيبر ، والأولى أن يكون المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم ، وهو دين الإسلام { ويهديك } به { صراطا } طريقا { مستقيما } أي يثبتك عليه وهو دين الإسلام ، وقيل : على الهدى إلى أن يقبضك إليه ، وقال البيضاوي : في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرياسة ، فالهداية على حقيقتها ، فلا حاجة إلى ما قيل من أن المراد زيادة الاهتداء أو الثبات عليه