محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

وقوله تعالى :

{ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما 2 } .

{ ليغفر لك الله } قال أبو السعود : غاية للفتح ، من حيث أنه مترتب على سعيه عليه الصلاة والسلام في إعلاء كلمة الله تعالى ، بمكابدة مشاقّ الحروب ، واقتحام موارد الخطوب . { ما تقدم من ذنبك وما تأخر } أي جميع ما فرط منك . من ترك الأوَْلى . وتسميته ذنبا ، بالنظر إلى منصبه الجليل .

قال ابن كثير : هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره . وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال كغيره ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه ، لا من الأولين ، ولا من الآخرين . وهو صلى الله عليه وسلم أكمل البشر على الإطلاق ، وسيدهم في الدنيا والآخرة . ولما كان أطوع خلق الله تعالى لله ، وأشدهم تعظيما لأوامره ونواهيه ، قال حين بركت به الناقة : ( حبسها حابس الفيل ) . ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده ! لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها ) ، فلما أطاع الله في ذلك ، وأجاب إلى الصلح ، قال الله تعالى : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا . . . } الآيات .

وقوله تعالى : { ويتم نعمته عليك } أي بإظهاره إياك على عدوّك ، ورفعه ذكرك . { ويهديك صراطا مستقيما } أي ويرشدك طريقا من الدين لا عوج فيه . قال أبو السعود : أصل الاستقامة ، وإن كانت حاصلة قبل الفتح ، لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبيل الحق ، واستقامة مناهجه ، ما لم يكن حاصلا قبل .