قوله تعالى : { فبدل } . فغير .
قوله تعالى : الذين ظلموا } . أنفسهم وقالوا
قوله تعالى : { قولاً غير الذي قيل لهم } . وذلك أنهم بدلوا قول الحطة بالحنطة ، فقالوا بلسانهم : حطانا سمقاثاً أي حنطة حمراء ، استخفافاً بأمر الله تعالى ، وقال مجاهد : طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فأبوا أن يدخلوها سجداً فدخلوا على يزحفون على أستاههم في الفعل كما بدلوا القول وقالوا قولاً غير الذي قيل لهم .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا اسحاق بن نصر ، أنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة " .
قوله تعالى : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء } . قيل : أرسل الله عليهم طاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً .
قوله تعالى : { بما كانوا يفسقون } . يعصون ويخرجون من أمر الله تعالى .
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم ، ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا { قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } فقالوا بدل حطة : حبة في حنطة ، استهانة بأمر الله ، واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى ، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم ، ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم ، قال : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم { رِجْزًا } أي : عذابا { مِنَ السَّمَاءِ } بسبب فسقهم وبغيهم .
( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) . .
ويخص الذين ظلموا بالذكر . إما لأنهم كانوا فريقا منهم هو الذي بدل وظلم . وإما لتقرير وصف الظلم لهم جميعا ، إذا كان قد وقع منهم جميعا .
( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) . .
والرجز : العذاب . والفسوق : المخالفة والخروج . . وكانت هذه واحدة من أفاعيل بني إسرائيل !
{ فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } بدلوا بما أمروا به من التوبة والاستغفار بطلب ما يشتهون من أعراض الدنيا .
{ فأنزلنا على الذين ظلموا } كرره مبالغة في تقبيح أمرهم وإشعارا بأن الإنزال عليهم لظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه ، أو على أنفسهم بأن تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب هلاكها .
{ رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } عذابا مقدرا من السماء بسبب فسقهم ، والرجز في الأصل : ما يعاف عنه ، وكذلك الرجس . وقرئ بالضم وهو لغة فيه والمراد به الطاعون . روي أنه مات في ساعة أربعة وعشرون ألفا .
قوله : { فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم } أي بدل العشرة القول الذي أمر موسى بإعلانه في القوم وهو الترغيب في دخول القرية وتهوين العدو عليهم فقالوا لهم : لا تستطيعون قتالهم وثبطوهم ولذلك عوقبوا فأنزل عليهم رجز من السماء وهو الطاعون . وإنما جعل من السماء لأنه لم يكن له سبب أرضي من عدوَى أو نحوها فعلم أنه رمتهم به الملائكة من السماء بأن ألقيت عناصره وجراثيمه عليهم فأصيبوا به دون غيرهم . ولأجل هذا خص التبديل بفريق معروف عندهم فعبر عنه بطريق الموصولية لعلم المخاطبين به وبتلك الصلة فدل على أن التبديل ليس من فعل جميع القوم أو معظمهم لأن الآية تذكير لليهود بما هو معلوم لهم من حوادثهم .
وإنما جاء بالظاهر في موضع المضمر في قوله : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً } ولم يقل عليهم لئلا يتوهم أن الرجز عم جميع بني إسرائيل وبذلك تنطبق الآية على ما ذكرته التوراة تمام الانطباق .
وتبديل القول تبديل جميع ما قاله الله لهم وما حدثهم الناس عن حال القرية ، وللإشارة إلى جميع هذا بني فعل { قيل } إلى المجهول إيجازاً . فقولاً مفعول أول لبدَّل ، و { غير الذي قيل } مفعول ثان لأن ( بدل ) يتعدى إلى مفعولين من باب كسى أي مما دل على عكس معنى كسى مثل سلَبه ثوبه . قال أبو الشيص :
بُدِّلْتُ من بُرْد الشباب ملاءة *** خَلَقاً وبئس مثوبة المقتاض
وفائدة إظهار لفظ القول دون أن يقال فبدلوه لدفع توهم أنهم بدلوا لفظ حطة خاصة وامتثلوا ما عدا ذلك لأنه لو كان كذلك لكان الأمر هيناً . وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة أن القول الذي بدَّلوا به أنهم قالوا : حبة في شَعَرة أو في شعيرة ، والظاهر أن المراد به أن العشرة استهزؤا بالكلام الذي أعلنه موسى عليه السلام في الترغيب في فتح الأرض وكنوا عن ذلك بأن محاولتهم فتح الأرض كمحاولة ربط حبة بشَعَرة أي في التعذر ، أو هو كأكل حبة مع شَعَرة تخنق آكلها ، أو حَبَّة من بُرّ مع شعيرة .
وقوله : { فبدل الذين ظلموا } وقوله : { فأنزلنا على الذين ظلموا } اعتنى فيهما بالإظهار في موضع الإضمار ليعلم أن الرجز خص الذين بدَّلوا القول وهم العشرة الذين أشاعوا مذمة الأرض لأنهم كانوا السبب في شقاء أمة كاملة . وفي هذا موعظة وذكرى لكل من ينصب نفسه لإرشاد قوم ليكون على بصيرة بما يأتي ويذر وعلم بعواقب الأمور فمن البر ما يكون عقوقاً ، وفي المثل « على أهلها تجني براقش » وهي اسم كلبة قوم كانت تحرسهم بالليل فدل نبحها أعداءهم عليهم فاستأصلوهم فضربت مثلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.