فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

{ فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } قيل أنهم قالوا حنطة وقيل قالوا بلسانهم حنطا سمقاثا أي حنطة حمراء ، استخفافا منهم بأمر الله وقيل غير ذلك ، والصواب أنهم قالوا حبة في شعيرة قالوا ذلك استهزاء أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية عن ابن عباس عن ابن جرير وابن المنذر ، حنطة في شعيرة ، والأول أرجح لكونه في الصحيحين ، وبدلوا الفعل أيضا حيث دخلوا يزحفون على أستاههم ، قال الكيا الهراسي ، فيه دليل على أنه لا يجوز تغيير الأقوال المنصوص عليها وأنه يتعين اتباعها .

وقال الرازي يحتج به فيما ورد من التوقيف في الأذكار والأقوال وإنه غير جائز تغييرها ، وربما احتج به علينا المخالف في تجويز تحريمه الصلاة بلفظ التعظيم والتسبيح وفي تجويز القراءة بالفارسية وفي تجويز النكاح بلفظ الهبة وما جرى مجرى ذلك .

{ فأنزلنا على الذين ظلموا } هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة تقدر في كل محل بما يناسبه تعظيما كقوله { أولئك حزب الله ألا إن حزب الله } وتحقيرا كقوله { أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان } أو إزالة لبس أو غير ذلك وهي مبسوطة في الإتقان للجلال السيوطي ، وكما تقرر في علم البيان وهي هنا تعظيم الأمر عليهم ومبالغة في تقبيح فعلهم وشأنهم { رجزا من السماء } يعني عذابا ، والرجز العذاب ، قيل أرسل الله عليهم طاعونا فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفا .

وأخرج مسلم غيره من حديث أسامة بن زيد وسعد بن مالك وخزيمة ابن ثابت قالوا : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم ، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها ) ، ومن المعلوم أن الطاعون ضرب الجن للإنس فهو أرضي لا سماوي وإنما قيل فيه من السماء لأن القضاء به يقع فيها ، قال الجلال السيوطي فهلك منهم في ساعة سبعون ألفا أو أقل انتهى ، وهذا الوباء غير الذي حل بهم في التيه .

{ بما كانوا يفسقون } أي يعصون ويخرجون عن أمر الله تعالى ، وفي الأعراف { يظلمون } تنبيها على أنهم جامعون بين هذين الوصفين .