إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

{ فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ } بما أُمروا به من التوبة والاستغفار بأن أعرضوا عنه وأوردوا مكانه { قَوْلاً } آخرَ مما لا خيرَ فيه . رُوي أنهم قالوا مكان حِطة حِنْطة وقيل : قالوا بالنَّبْطية حِطاً سمقاساً يعنون حنطةً حمراءَ استخفافاً بأمر الله عز وجل { غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } نعتٌ لقولا وإنما صُرِّح به مع استحالة تحقُّق التبديلِ بلا مغايَرةٍ تحقيقاً لمخالفتهم وتنصيصاً على المغايرة من كلِّ وجه .

{ فَأَنزَلْنَا } أي عقيب ذلك { عَلَى الذين ظَلَمُواْ } بما ذكر من التبديل وإنما وُضِعَ الموصولُ موضعُ الضمير العائدِ إلى الموصول الأول للتعليل والمبالغةِ في الذم والتقريع ، وللتصريح بأنهم بما فعلوا قد ظلموا أنفسَهم بتعريضها لسخط الله تعالى .

{ رِجْزًا منَ السماء } أي عذاباً مقدّراً منها ، والتنوينُ للتهويل والتفخيم ، { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } بسبب فِسقهم المستمرِّ حسبما يفيدُه الجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل ، وتعليلُ إنزال الرجزِ به بعد الإشعار بتعليله بظلمهم للإيذان بأن ذلك فسقٌ وخروجٌ عن الطاعة وغلوٌّ في الظلم وأن تعذيبَهم بجميع ما ارتكبوه من القبائح لا بعدم توبتهم فقط كما يُشعِرُ به ترتيبُه على ذلك بالفاء ، والرِّجْزُ في الأصل ما يُعاف عنه وكذلك الرجسُ وقرئ بالضم ، وهو لغة فيه والمراد به الطاعونُ ، روي أنه مات به في ساعة واحدةٍ أربعةٌ وعشرون ألفاً .