قوله تعالى : { ثاني عطفه } أي : متبختراً لتكبره . وقال مجاهد ، و قتادة : لاوي عنقه . قال عطية ، و ابن زيد : معرضاً عما يدعى إليه تكبراً . وقال ابن جريج : يعرض عن الحق تكبراً . والعطف : الجانب ، وعطفا الرجل : جانباه عن يمين وشمال وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء ، نظيره قوله تعالى : { وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً } . وقال تعالى : { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } { ليضل عن سبيل الله } عن دين الله ، { له في الدنيا خزي } عذاب وهوان القتل ببدر ، فقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبراً . { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق } .
إن هي إلا شبهات ، يوحيها إليه الشيطان { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } ومع هذا { ثَانِيَ عِطْفِهِ } أي : لاوي جانبه وعنقه ، وهذا كناية عن كبره عن الحق ، واحتقاره للخلق ، فقد فرح بما معه من العلم غير النافع ، واحتقر أهل الحق وما معهم من الحق ، { لِيُضِلَّ } الناس ، أي : ليكون من دعاة الضلال ، ويدخل تحت هذا جميع أئمة الكفر والضلال ، ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والأخروية فقال : { لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ } أي : يفتضح هذا في الدنيا قبل الآخرة ، وهذا من آيات الله العجيبة ، فإنك لا تجد داعيا من دعاة الكفر والضلال ، إلا وله من المقت بين العالمين ، واللعنة ، والبغض ، والذم ، ما هو حقيق به ، وكل بحسب حاله .
{ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } أي : نذيقه حرها الشديد ، وسعيرها البليغ ،
والتعبير يرسم صورة لهذا الصنف من الناس . صورة فيها الكبر المتعجرف : ( ثاني عطفه )مائلا مزورا بجنبه . فهو لا يستند إلى حق فيعوض عن هذا بالعجرفة والكبر . ( ليضل عن سبيل الله )فلا يكتفي بأن يضل ، إنما يحمل غيره على الضلال .
هذا الكبر الضال المضل لا بد أن يقمع ، ولا بد أن يحطم : ( له في الدنيا خزي ) فالخزي هو المقابل للكبر . والله لا يدع المتكبرين المتعجرفين الضالين المضلين حتى يحطم تلك الكبرياء الزائفة وينكسها ولو بعد حين . إنما يمهلهم أحيانا ليكون الخزي أعظم ، والتحقير أوقع . أما عذاب الآخرة فهو أشد وأوجع : ( ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ) .
{ ثاني عطفه } متكبرا وثنى العطف كناية عن التكبر كلي الجيد ، أو معرضا عن الحق استخفافا به . وقرئ بفتح العين أي مانع تعطفه . { ليضل عن سبيل الله } علة للجدال ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء على أن إعراضه عن الهدى المتمكن منه بالإقبال على الجدال الباطل خروج من الهدى إلى الضلال ، وأنه من حيث مؤداه كالغرض له . { له في الدنيا خزي } وهو ما أصابه يوم بدر . { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق } المحروق وهو النار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.