فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

وانتصاب { ثَانِيَ عِطْفِهِ } على الحال من فاعل يجادل ، والعطف : الجانب ، وعطفا الرجل : جانباه من يمين وشمال ، وفي تفسيره وجهان : الأوّل : أن المراد به من يلوي عنقه مرحاً وتكبراً ، ذكر معناه الزجاج . قال : وهذا يوصف به المتكبر . والمعنى : ومن الناس من يجادل في الله متكبراً . قال المبرد : العطف ما انثنى من العنق . والوجه الثاني : أن المراد بقوله : { ثَانِيَ عِطْفِهِ } : الإعراض ، أي معرضاً عن الذكر ، كذا قال الفراء والمفضل وغيرهما كقوله تعالى : { ولى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } [ لقمان : 7 ] ، وقوله : { لَوَّوا رُؤُوسَهُمْ } [ المنافقون : 5 ] ، وقوله : { أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } [ الإسراء : 83 ] ، واللام في { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله } متعلق ب[ يجادل ] أي إن غرضه هو الإضلال عن السبيل وإن لم يعترف بذلك . وقرئ : «ليضلّ » بفتح الياء على أن تكون اللام هي لام العاقبة كأنه جعل ضلاله غاية لجداله ، وجملة : { لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ } مستأنفة مبينة لما يحصل له بسبب جداله من العقوبة . والخزي : الذل ، وذلك بما يناله من العقوبة في الدنيا من العذاب المعجل وسوء الذكر على ألسن الناس . وقيل : الخزي الدنيوي هو : القتل ، كما وقع في يوم بدر { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق } أي عذاب النار المحرقة .

/خ16