الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

" ثاني عطفه " نصب على الحال . ويتأول على معنيين : أحدهما : روي عن ابن عباس أنه قال : ( هو النضر بن الحارث ، لوى عنقه مرحا وتعظما ) . والمعنى الآخر : وهو قول الفراء : أن التقدير : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ثاني عطفه ، أي معرضا عن الذكر ، ذكره النحاس . وقال مجاهد وقتادة : لاويا عنقه كفرا . ابن عباس : معرضا عما يدعى إليه كفرا . والمعنى واحد . وروى الأوزاعي عن مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن ابن عباس في قوله عز وجل : " ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله " قال : هو صاحب البدعة . المبرد : العطف ما انثنى من العنق . وقال المفضل : والعطف الجانب ، ومنه قولهم : فلان ينظر في أعطافه ، أي في جوانبه . وعطفا الرجل من لدن رأسه إلى وركه . وكذلك عطفا كل شيء جانباه . ويقال : ثنى فلان عني عطفه إذا أعرض عنك . فالمعنى : أي هو معرض عن الحق في جداله ومول عن النظر في كلامه ، وهو كقوله تعالى : " ولى مستكبرا كأن لم يسمعها " {[11427]}[ لقمان : 7 ] . وقوله تعالى : " لووا رؤوسهم " {[11428]}[ المنافقون : 5 ] . وقوله : " أعرض ونأى بجانبه " {[11429]} [ الإسراء : 83 ] . وقوله : " ذهب إلى أهله يتمطى " {[11430]}[ القيامة : 33 ] . " ليضل عن سبيل الله " أي عن طاعة الله تعالى . وقرئ " ليضل " بفتح الياء . واللام لام العاقبة ، أي يجادل فيضل ، كقوله تعالى : " ليكون لهم عدوا وحزنا " {[11431]} [ القصص : 8 ] . أي فكان لهم كذلك . ونظيره " إذا فريق منكم بربهم يشركون . ليكفروا " [ النحل : 54 - 55 ] . " له في الدنيا خزي " أي هوان وذل بما يجري له من الذكر القبيح على ألسنة المؤمنين إلى يوم القيامة ، كما قال : " ولا تطع كل حلاف مهين " [ القلم : 10 ] الآية . وقوله تعالى : " تبت يدا أبي لهب وتب " {[11432]}[ المسد : 1 ] . وقيل : الخزي ههنا القتل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قتل النضر بن الحارث يوم بدر صبرا ، كما تقدم في آخر الأنفال . " ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق " أي نار جهنم .


[11427]:راجع ج 14 ص 57.
[11428]:راجع ج 18 ص 126 فما بعد و ص 231.
[11429]:راجع ج 10 ص 321 و ص 114.
[11430]:راجع ج 19 ص 111 فما بعد و ص 231.
[11431]:راجع ج 13 ص 250.
[11432]:راجع ج 20ص 234.