قوله : «ثَانِيَ عِطْفِه » : حال من فاعل «يُجَادِل » أي : مُعْرِضاً ، وهي إضافة لفظية{[30307]} نحو «مُمْطِرُنَا{[30308]} » . والعامة على كسر العين ، وهو الجانب{[30309]} كني به عن التكبر .
والحسن بفتح العين{[30310]} ، وهو مصدر بمعنى التعطف ، وصفه بالقسوة .
قوله : «لِيُضلَّ » متعلق إما ب «يُجَادِلُ » ، وإما ب «ثاني عِطْفِه »{[30311]} وقرأ العامة بضم الياء في «يُضِلّ » والمفعول محذوف أي : ليضل غيره{[30312]} . وقرأ مجاهد وأبو عمرو في رواية بفتحها{[30313]} ، أي : ليضل هو في نفسه .
قوله : { لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ } هذه الجملة يجوز أن تكون حالاً{[30314]} مقارنة{[30315]} أي : مستحقاً ذلك ، وأن تكون حالاً مقدرة{[30316]} ، وأن تكون مستأنفة{[30317]} . وقرأ زيد بن علي «وأُذِيْقُه » بهمزة المتكلم{[30318]} ، و «عَذَابَ الحَرِيْق » يجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف لصفته إذ{[30319]} الأصل العذاب الحريق أي : المحرق كالسميع بمنع المسمع . {[30320]}
قال أبو مسلم{[30321]} : الآية{[30322]} الأولى{[30323]} واردة في الأتباع المقلدين ، وهذه الآية واردة في المتبعة عن المقلدين ، فإن كلا المجادلين جادل بغير علم وإن كان أحدهما تبعاً والآخر متبوع ، وبين ذلك قوله : { وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } فإن مثل ذلك لا يقال في المقلد وإنما يقال فيمن يخاصم{[30324]} بناء على شبهة . فإن قيل : كيف يصح ما قلتم والمقلد لا يكون مجادلاً ؟ قلنا : يجادل تصويباً لتقليده ، وقد يورد الشبهة الظاهرة إذا تمكن منها وإن كان معتمده الأصلي هو التقليد{[30325]} . وقيل : إن الآية الأولى نزلت في النضر بن الحارث ، وهو قول ابن عباس وفائدة التكرير المبالغة في{[30326]} الذم ، وأيضاً : قد ذكر{[30327]} في الآية الأولى اتباعه تقليداً بغير حجة ، ( وفي الثانية مجادلته في الدين ، وإضلاله غيره بغير حجة{[30328]} ) .
والأول أقرب لما تقدم . ودلت الآية على أن الجدال مع العلم والهدى والكتاب{[30329]} حق حسن .
والمراد بالعلم العلم الضروري ، وبالهدى الاستدلال والنظر ؛ لأنه يهدي إلى المعرفة ، وبالكتاب المنير الوحي . والمعنى يجادل من غير مقدمة ضرورية ، ولا نظريَّة ولا سمعيَّة فهو كقوله تعالى{[30330]} : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ{[30331]} } [ الحج : 71 ] ثم قال { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله } ثني العطف عبارة عن التكبر والخيلاء{[30332]} قال مجاهد وقتادة : لاوي عنقه{[30333]} . وقال عطية وابن زيد : معرضاً عما يدعى إليه تكبراً{[30334]} . والعطف الجانب وعطفا{[30335]} الرجل : جانباه عن يمين وشمال ، وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي{[30336]} : يلويه ويمليه عند الإعراض عن الشيء ، ونظيره قوله تعالى : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا ولى مُسْتَكْبِراً{[30337]} } [ لقمان : 7 ] وقوله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ }{[30338]} {[30339]} [ المنافقون : 5 ] . { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله } فمن ضم الياء فمعناه : ليضل غيره عن طريق الحق ، فجمع بين الضلال والكفر وإضلال الغير . ومن فتح الياء فالمعنى : ليضل هو عن دين الله{[30340]} . { لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ }{[30341]} عذاب وهون ، وهو القتل ببدر ، فقتل النضر ، وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبراً . { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق } ويقال له : { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ{[30342]} } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.