السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

وقوله تعالى : { ثاني عطفة } حال أي : لاوي عنقه تكبراً عن الإيمان كما قال تعالى : { وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً } [ لقمان ، 7 ] والعطف في الأصل الجانب عن يمين أو شمال ، وقوله تعالى : { ليضلّ عن سبيل الله } علة للجدال ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بضمها .

فإن قيل : على قراءة الضمّ ما كان غرضه في جداله الضلال لغيره عن سبيل الله ، فكيف علل به وما كان على قراءة الفتح مهتدياً حتى إذا جادل خرج بالجدال عن الهدى إلى الضلال ؟ أجيب عن الأوّل : بأن جداله لما أدّى إلى الضلال جعل كأنه غرضه ، وعن الثاني : بأنّ الهدى لما كان معرّضاً له فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال الباطل جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال . ولما ذكر فعله وثمرته ذكر ما أعدّ له عليه في الدنيا بقوله تعالى : { له في الدنيا خزي } أي : إهانة وذل وإن طال زمن استدراجه بتنعيمه حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه ، وما أعدّ له عليه في الآخرة بقوله تعالى : { ونذيقه يوم القيامة } الذي يجمع فيه الخلائق بالإحياء بعد الموت { عذاب الحريق } أي : الإحراق بالنار ، وعن الحسن قال : بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرّة ويقال له حقيقة أو مجازاً .