التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{ثَانِيَ عِطۡفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (9)

{ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله . . . } أى : ليضل غيره ويصرفه عن طاعة الله - تعالى - واتباع طريقه الحق .

وقد نفت الآية الكريمة عن هذا المجادل ، استناده إلى أى دليل أو ما يشبه الدليل ، فهو يجادل فى ذات الله - تعالى - وفى صفاته " بغير علم " يستند إليه وبغير " هدى " يهديه ويرشده إلى الحق وبغير " كتاب منير " أى : وبغير وحى ينير عقله وقلبه ، ويوضح له سبيل الرشاد .

فأنت ترى أن الآية قد جردت هذا المجادل من أى مستند إليه فى جداله سواء كان عقلياً أم نقلياً ، بل أثبتت له الجهالة من جميع الجهات .

ثم صورته السورة الكريمة بعد ذلك بتلك الصورة المزرية ، صورة الجاهل المغرور المتعجرف ، فقال - تعالى - : { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله } .

وقوله { ثَانِيَ } من الثَّنْى بمعنى اللَّىِّ والميل عن الاستقامة . يقال : فلان ثنى الشىء إذا رد بعضه على بعض فانثنى أى : مال والتوى .

والعِطْف - بكسر العين - الجانب ، وهذا التعبير كناية عن غرروه وصلفه مع جهله . أى : أنه مع جداله بدون علم ، متكبر معجب بنفسه ، معرض عن الحق ، مجتهد فى إضلال غيره عن سبيل الله - تعالى - وعن الطريق الذى يوصل إلى الرشاد .

ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة هذا الجاهل المغرور المضل لغيره فقال : و { لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ } أى : هوان وذله وصغار .

{ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق } أى : ونجعله يوم القيامة يدرك طعم العذاب المحرق . ويصطلى به جزاء غروره وشموخه فى الدنيا بغير حق .

وتقول له ملائكتنا وهى تصب عليه ألوان العذاب { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }