معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

{ ما أنت بنعمة } بنبوة . { ربك بمجنون } هو جواب لقولهم { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون }( الحجر- 6 ) فأقسم الله بالنون والقلم وما يكتب من الأعمال فقال : { ما أنت بنعمة ربك } بنبوة ربك ، { بمجنون } هذا جواب القسم أي : إنك لا تكون مجنونا وقد أنعم الله عليك بالنبوة والحكمة . وقيل : بعصمة ربك . وقيل : هو كما يقال : ما أنت بمجنون والحمد لله . وقيل : معناه ما أنت بمجنون والنعمة لربك ، كقولهم : سبحانك اللهم وبحمدك ، أي : والحمد لك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام ، من آيات الله العظيمة ، التي تستحق أن يقسم الله بها ، على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون ، فنفى عنه الجنون{[1187]}  بنعمة ربه عليه وإحسانه ، حيث من عليه بالعقل الكامل ، والرأي الجزل ، والكلام الفصل ، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام ، وسطره الأنام ، وهذا هو السعادة في الدنيا .


[1187]:- في ب: عنه ذلك.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) . .

فيثبت في هذه الآية القصيرة وينفي . . يثبت نعمة الله على نبيه ، في تعبير يوحي بالقربى والمودة : حين يضيفه سبحانه إلى ذاته : ( ربك ) . وينفي تلك الصفة المفتراة التي لا تجتمع مع نعمة الله ، على عبد نسبه إليه وقربه واصطفاه . .

وإن العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في قومه ، من قولتهم هذه عنه ، وهم الذين علموا منه رجاحة العقل حتى حكموه بينهم في رفع الحجر الأسود قبل النبوة بأعوام كثيرة . وهم الذين لقبوه بالأمين ، وظلوا يستودعونه أماناتهم حتى يوم هجرته ، بعد عدائهم العنيف له ، فقد ثبت أن عليا - كرم الله وجهه - تخلف عن رسول الله أياما في مكة ، ليرد إليهم ودائعهم التي كانت عنده ؛ حتى وهم يحادونه ويعادونه ذلك العداء العنيف . وهم الذين لم يعرفوا عليه كذبة واحدة قبل البعثة . فلما سأل هرقل أبا سفيان عنه : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل نبوته ? قال أبو سفيان - وهو عدوه قبل إسلامه - لا ، فقال هرقل : ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله !

إن الإنسان ليأخذه العجب أن يبلغ الغيظ بالناس إلى الحد الذي يدفع مشركي قريش إلى أن يقولوا هذه القولة وغيرها عن هذا الإنسان الرفيع الكريم ، المشهور بينهم برجاحة العقل وبالخلق القويم . ولكن الحقد يعمي ويصم ، والغرض يقذف بالفرية دون تحرج ! وقائلها يعرف قبل كل أحد ، أنه كذاب أثيم !

( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) . . هكذا في عطف وفي إيناس وفي تكريم ، ردا على ذلك الحقد الكافر ، وهذا الافتراء الذميم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

وقوله : { مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } أي : لست ، ولله الحمد ، بمجنون ، كما قد يقوله الجهلة من قومك ، المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين ، فنسبوك فيه إلى الجنون ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

وقوله { بنعمة ربك } جعله في الكشاف حالا من الضمير الذي في مجنون المنفي . والتقدير : انتفى وصف المجنون بنعمة ربك عليك . والباء للملابسة أو السببية ، أي بسبب إنعام الله إذ برأك من النقائص . والذي أرى أن تكون جملة معترضة وأن الباء متعلقة بمحذوف يدل عليه المقام وتقديره : أن ذلك بنعمة ربك ، على نحو ما قيل في تعلق الباء في قوله باسم الله وهو الذي يقتضيه استعمالهم كقول الحماسي الفضل بن عباس اللهبي :

كل له نية في بغض صاحبه *** بنعمة الله نقليكم وتقلـونـا

وذهب ابن الحاجب في أماليه أن { بنعمة ربك } متعلق ما يتضمنه حرف { ما } النافية من معنى الفعل وقدره : انتفى أن تكون مجنونا بنعمة ربك . ولا يصح تعلقه بقوله { مجنون } إذ لو علق به لأوهم نفي جنون خاص وهو الجنون الذي يكون من نعمة الله وليس ذلك بمستقيم . واستحسن هذا ابن هشام في مغني اللبيب في الباب الثالث لولا أنه مخالف لاتفاق أن النحاة على عدم صحة تعلق الظرف بالحرف ولم يخالفهم في ذلك إلا أبو علي وأبو الفتح في خصوص تعلق المجرور والظرف بمعنى الحرف النائب عن فعل مثل حرف النداء في قولك : يا لزيد يريد في الاستغاثة ، وتقدم نظيره في قوله { فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون } في سورة الطور .