إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

وقولُهُ تعالَى : { مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبكَ بِمَجْنُونٍ } جوابُ القسمِ ، والباءُ متعلقةٌ بمضمرٍ هو حالٌ من الضميرِ في خبرِهَا والعاملُ فيها مَعْنَى النَّفي ، كأنَّه قيلَ أنتَ بريءٌ من الجنونِ ، ملتبساً بنعمةِ الله التي هيَ النبوةُ والرياسةُ العامةُ ، والتعرضُ لوصفِ الربوبيةِ المنبئةِ عن التبليغِ إلى معارجِ الكمالِ ، مع الإضافةِ إلى ضميرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ، والإيذانِ بأنَّه تعالَى يُتمُّ نعمتَهُ عليهِ ، ويبلغُه من العلوِّ إلى غايةٍ لا غايةَ وراءَهَا . والمرادُ تنزيهُهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عمَّا كانُوا ينسبونَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إليهِ من الجنونِ ، حَسَداً وعداوةً ومكابرةً ، مع جزمِهِم بأنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في غايةِ الغاياتِ القاصيةِ ، ونهايةِ النهاياتِ النائيةِ ، من حَصانةِ العقلِ ورَزَانَةِ الرأيِ .