معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (73)

قوله تعالى : { ولئن أصابكم فضل من الله } ، فتح وغنيمة .

قوله تعالى : { ليقولن } هذا المنافق ، وفيه تقديم وتأخير ، وقوله : ( كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ) متصل بقوله { فإن أصابتكم مصيبة } تقديره : فإن أصابتكم مصيبة قال : قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيداً .

قوله تعالى : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } أي : معرفة . قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب { تكن } بالتاء ، والباقون بالياء ، أي : ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن .

قوله تعالى : { يا ليتني كنت معهم } . في تلك الغزاة .

قوله تعالى : { فأفوز فوزاً عظيماً } ، أي : آخذ نصيباً وافراً من الغنيمة ، وقوله { فأفوز } نصب على جواب التمني بالفاء ، كما تقول : وددت أن أقوم فيتبعني الناس .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (73)

ثم قال : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ } أي : نصر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا } أي : يتمنى أنه حاضر لينال من المغانم ، ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك ، كأنه ليس منكم يا معشر المؤمنين ولا بينكم وبينه المودة الإيمانية التي{[214]}  من مقتضاها أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم ، يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من إخوانهم المؤمنين{[215]}  ويألمون بفقدها ، ويسعون جميعا في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم ، فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط ، ليست معه الروح الإيمانية المذكورة .


[214]:- في النسختين: الذي.
[215]:- في النسختين: على يد غيره من إخوانه.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (73)

71

فأما إذا كانت الأخرى . . فانتصر المجاهدون ؛ الذين خرجوا مستعدين لقبول كل ما يأتيهم به الله . . ونالهم فضل من الله بالنصر والغنيمة . . ندم المتخلفون أن لم يكونوا شركاء في معركة رابحة ! رابحة بحسب مفهومهم القريب الصغير للربح والخسارة ! ( ولئن أصابكم فضل من الله ، ليقولن - كأن لم تكن بينكم وبينه مودة - يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيمًا ) .

إنها أمنية الفوز الصغير بالغنيمة والإياب ، هي التي يقولون عنها : ( فوزا عظيمًا ) والمؤمن لا يكره الفوز بالإياب والغنيمة ؛ بل مطلوب منه أن يرجوه من الله . والمؤمن لا يتمنى وقوع البلاء بل مطلوب منه أن يسأل الله العافية . . ولكن التصور الكلي للمؤمن غير هذا التصور ، الذي يرسمه التعبير القرآني لهذه الفئة رسما مستنكرا منفرا . .

إن المؤمن لا يتمنى البلاء بل يسأل الله العافية . ولكنه إذا ندب للجهاد خرج - غير متثاقل - خرج يسأل الله إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة . . وكلاهما فضل من الله ؛ وكلهما فوز عظيم . فيقسم له الله الشهادة ، فإذا هو راض بما قسم الله ؛ أو فرح بمقام الشهادة عند الله . ويقسم له الله الغنيمة والإياب ، فيشكر الله على فضله ، ويفرح بنصر الله . لا لمجرد النجاة !

وهذا هو الأفق الذي أراد الله أن يرفع المسلمين إليه ؛ وهو يرسم لهم هذه الصورة المنفرة لذلك الفريق( منهم )وهو يكشف لهم عن المندسين في الصف من المعوقين ، ليأخذوا منهم حذرهم ؛ كما يأخذون حذرهم من أعدائهم !

ومن وراء التحذير والاستنهاض للجماعة المسلمة في ذلك الزمان ، يرتسم نموذج إنساني متكرر في بني الإنسان ، في كل زمان ومكان ، في هذه الكلمات المعدودة من كلمات القرآن !

ثم تبقى هذه الحقيقة تتملاها الجماعة المسلمة أبدا . وهي أن الصف قد يوجد فيه أمثال هؤلاء . فلا ييئس من نفسه . ولكن يأخذ حذره ويمضي . ويحاول بالتربية والتوجيه والجهد ، أن يكمل النقص ، ويعالج الضعف ، وينسق الخطى والمشاعر والحركات !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (73)

{ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ } أي : نصر وظفر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَه مَوَدَّةٌ }{[7892]} أي : كأنه ليس من أهل دينكم { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا } أي : بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه . وهو أكبر قصده وغاية مراده .


[7892]:في ر: قال".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (73)

{ ولئن أصابكم فضل من الله } كفتح وغنيمة . { ليقولن } أكده تنبيها على فرط تحسره ، وقرئ بضم اللام إعادة للضمير إلى معنى { من } . { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } اعتراض بين الفعل ومفعوله وهو . { يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما } للتنبيه على ضعف عقيدتهم ، وأن قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه ، وإنما يريد أن يكون معكم لمجرد المال ، أو حال من الضمير في ليقولن أو داخل في المقول أي يقول المبطئ لمن يبطئه من المنافقين ، وضعفه المسلمين تضريبا وحسدا ، كأن لم يكن بينكم وبين محمد صلى الله عليه وسلم مودة حيث لم يستعن بكم فتفوزوا بما فازيا ليتني كنت معهم . وقيل : إنه متصل بالجملة الأولى وهو ضعيف ، إذ لا يفصل أبعاض الجملة بما لا يتعلق بها لفظا ومعنى وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وهو محذوف . وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب { تكن } بالتاء لتأنيث لفظ المودة ، والمنادى في يا ليتني محذوف أي : يا قوم وقيل يا أطلق للتنبيه على الاتساع فأفوز نصب على جواب التمني وقرئ بالرفع على قدير فأنا أفوز في ذلك الوقت ، أو العطف على كنت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (73)

وقوله تعالى : { ولئن أصابكم فضل من الله } الآية ، المعنى ولئن ظفرتم وغنمتم وكل ذلك من فضل الله ، ندم المنافق إن لم يحضر ويصب الغنيمة ، وقال : { يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً } متمنياً شيئاً قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده ، لأن المؤمن إنما يتمنى مثل هذا إذا كان المانع له من الحضور عذراً واضحاً ، وأمراً لا قدرة له معه ، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير ، والمنافق يعاطي المؤمنين المودة ، ويعاهد على التزام كلف الإسلام ، ثم يتخلف نفاقاً وشكاً وكفراً بالله ورسوله ، ثم يتمنى عندما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين ، فعلى هذا يجيء قوله تعالى : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } التفاتة بليغة ، واعتراضاً بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم .

وحكى الطبري عن قتادة وابن جريج ، أنهما كانا يتأولان قول المنافق { يا ليتني كنت معهم } على معنى الحسد منه للمؤمنين في نيل رغيبة ، وقرأ الحسن { ليقولُن } بضم اللام على معنى «من » وضم اللام لتدل على الواو المحذوفة ، ويدل مجموع هاتين الآيتين على أن خارج المنافقين إنما كان يقصد الغنيمة ، ومتخلفهم إنما كان يقصد الشك وتربص الدوائر بالمؤمنين و { كأن } مضمنة معنى التشبيه ، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر وإنما تجيء بعدها الجمل{[4148]} ، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص «تكن » بتاء ، وقرأ غيرهما «يكن » بياء ، وذلك حسن للفصل الواقع بين الفعل والفاعل ، وقوله : { فأفوز } نصب بالفاء في جواب التمني ، وقرأ الحسن ويزيد النحوي { فأفوز } بالرفع على القطع والاستئناف ، التقدير : فأنا أفوز : قال روح : لم يجعل ل «ليت » جواباً ، وقال الزجّاج : إن قوله : { كأن لم يكن بينكم وبينه مودة } مؤخر . وإنما موضعه فإن أصابتكم مصيبة .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام .


[4148]:- يتمشى قول ابن عطية على مذهب الكوفيين، أما على مذهب البصريين فلا، وقد علق أبو حيان في "البحر المحيط" على كلام ابن عطية هذا فقال: "وهذا الذي ذكره غير محرر ولا على اطلاقه". وارجع إليه إن أردت البيان.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (73)

أكّد قوله : { ولئن أصابكم فضل من الله ليَقولنّ } ، باللام الموطّئة للقسم وبلام جواب القسم وبنون التوكيد ، تنبيهاً على غريب حالته حتّى ينزَّل سامعها منزلة المنكر لوقوع ذلك منه .

والمراد من الفضل الفتح والغنيمة . وهذا المبطّىء يتمنّى أن لو كان مع الجيش ليفوز فوزاً عظيماً ، وهو الفوز بالغنيمة والفوْز بأجر الجهاد ، حيث وقعت السلامة والفوز برضا الرسول ، ولذلك أتبع { أفوز } بالمصدر والوصف بعظيم . ووجه غريب حاله أنّه أصبح متلهّفاً على ما فاته بنفسه ، وأنّه يودّ أن تجري المقادير على وفق مراده ، فإذا قعَد عن الخروج لا يصيبُ المسلمين فضل من الله .

وجملة { كَأنْ لم يكن بينكم وبينه مودة } معترضة بين فعل القول ومَقُولِه . والمودّة الصحبة والمحبّة ؛ وإمّا أن يكون إطلاق المودّة على سبيل الاستعارة الصورية إن كان المراد به المنافق ، وإمّا أن تكون حقيقة إن أريد ضعفة المؤمنين .

وشبّه حالهم في حين هذا القول بحال من لم تسبق بينه وبين المخاطبين مودّة حقيقية أو صوريّة ، فاقتضى التشبيه أنّه كان بينه وبينهم مودّة من قبل هذا القول .

ووجه هذا التشبيه أنّه لمّا تمنّى أن لو كان معهم وتحسّر على فوات فوزه لو حضر معهم ، كان حاله في تفريطه رفقتهم يشبه حال من لم يكن له اتّصال بهم بحيث لا يشهد ما أزمَعوا عليه من الخروج للجهاد ، فهذا التشبيه مسوق مساق زيادة تنديمه وتحسيره ، أي أنّه الذي أضاع على نفسه سببَ الانتفاع بما حصل لرفقته من الخير ، أي أنّه قد كان له من الخلطة مع الغانمين ما شأنه أن يكون سبباً في خروجه معهم ، وانتفاعه بثواب النصر وفخره ونعمة الغنيمة .

وقرأ الجمهور { لم يكن } بياء الغيبة وهو طريقة في إسناد الفعل لما لفظه مؤنّث غير حقيقيّ التأنيث ، مثل لفظ { مودَّة } هنا ، ولا سيما إذا كان فصْل بين الفعل وفاعله . وقرأ ابن كثير ، وحفص ، ورويس عن يعقوب بالتاء الفوقية علامة المضارع المسند إلى المؤنّث اعتباراً بتأنيث لفظ مودّة .