إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (73)

{ وَلَئِنْ أصابكم فَضْلٌ } كفتح وغنيمة { مِنَ الله } متعلقٌ بأصابكم أو بمحذوف وقع صفةً لفضلٌ أي فضلٌ كائنٌ من الله تعالى ، ونسبتُه إصابةِ الفضلِ إلى جناب الله تعالى دون إصابةِ المصيبةِ من العادات الشريفةِ التنزيليةِ كما في قوله سبحانه : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء ، الآية 80 ] وتقديمُ الشرطيةِ الأولى لِما أن مضمونَها لمقصِدهم أوفقُ وأَثرَ نفاقِهم فيها أظهرُ { ليَقُولَنَّ } ندامةً على تَنبُّطه وقعودِه وتهالُكاً على حُطام الدنيا وتحسُّراً على فواته ، وقرئ ليقولُنَّ بضم اللام إعادةً للضمير إلى معنى مَنْ وقوله تعالى : { كَأَن لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } اعتراضٌ وُسِّط بين الفعلِ ومفعولِه الذي هو { يا ليتنى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } لئلا يُفهمَ من مطلع كلامِه أن تمنِّيَهُ لمعيّة المؤمنين لنُصرتهم ومظاهَرتِهم حسبما يقتضيه ما في البين من المودة ، بل هو للحِرص على المال كما ينطِق به آخِرُه وليس إثباتُ المودةِ في البين بطريق التحقيق بل بطريق التهكّمِ ، وقيل : الجملةُ التشبيهيةُ حالٌ من ضمير ليقولَن أي ليقولَنّ مُشَبَّهاً بمَنْ لا مودةَ بينكم وبينه ، وقيل : هي داخلةٌ في المقول أي ليقولن المُثبّط لمن يُثبِّطه من المنافقين وضَعَفة المؤمنين -كأن لم تكن بينكم وبين محمدٍ مودةٌ- حيث لم يستصحِبْكم في الغزو حتى تفوزوا بما فاز : يا ليتني كنتُ معهم ، وغرضُه إلقاءُ العداوةِ بينهم وبينه عليه الصلاة والسلام وتأكيدُها ، وكأنْ مخففةٌ من الثقيلة واسمُها ضميرُ الشأنِ وهو محذوفٌ ، وقرئ لم يكن بالياء والمنادى في يا ليتني محذوفٌ أي يا قومُ ، وقيل : { يا } أُطلق للتنبيه على الاتساع ، وقولُه تعالى : { فَأَفُوزَ } نُصب على جواب التمني ، وقرئ بالرفع على أنه خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ أي فأنا أفوزُ في ذلك الوقت أو على أنه معطوفٌ على كنت داخلٌ معه تحت التمني .