معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ} (43)

قوله تعالى : { ألم تر أن الله يزجي } يعني : يسوق بأمره ، { سحاباً } إلى حيث يريد ، { ثم يؤلف بينه } يعني : يجمع بين قطع السحاب المتفرقة بعضها إلى بعض ، { ثم يجعله ركاماً } متراكماً بعضه فوق بعض ، { فترى الودق } يعني : المطر ، { يخرج من خلاله } وسطه وهو جمع الخلل ، كالجبال جمع الجبل . { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } يعني : ينزل البرد ، ومن صلة ، وقيل : معناه( وينزل من السماء من الجبال ) أي : مقدار جبال في الكثرة من البرد " ومن " في قوله ( من جبال ) صلة . أي : وينزل من السماء جبلا من برد ، وقيل معناه : وينزل من جبال في السماء تلك الجبال من برد . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أخبر الله عز وجل أن في السماء جبالاً من برد ، ومفعول الإنزال محذوف تقديره : وينزل من السماء من جبال فيها برد ، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه . قال أهل النحو ذكر الله تعالى من ثلاث مرات في هذه الآية فقوله : ( من السماء ) لابتداء الغاية ، لأن ابتداء الإنزال من السماء ، وقوله تعالى ( من جبال ) للتبعيض لأن ما ينزله الله تعالى بعض تلك الجبال التي في السماء ، وقوله تعالى : ( من برد ) للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد . { فيصيب به } يعني بالبرد { من يشاء } فيهلك زروعه وأمواله ، { ويصرفه عمن يشاء } فلا يضره ، { يكاد سنا برقه } يعني ضوء برق السحاب ، { يذهب بالأبصار } من شدة ضوئه وبريقه ، وقرأ أبو جعفر : { يذهب } بضم الياء وكسر الهاء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ} (43)

{ 43 - 44 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ *يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ }

أي : ألم تشاهد ببصرك ، عظيم قدرة الله ، وكيف { يُزْجِي } أي : يسوق { سَحَابًا } قطعا متفرقة { ثُمَّ يُؤَلِّفُ } بين تلك القطع ، فيجعله سحابا متراكما ، مثل الجبال .

{ فَتَرَى الْوَدْقَ } أي : الوابل والمطر ، يخرج من خلال السحاب ، نقطا متفرقة ، ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر ، فتمتلئ بذلك الغدران ، وتتدفق الخلجان ، وتسيل الأودية ، وتنبت الأرض من كل زوج كريم ، وتارة ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه .

{ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } بحسب ما اقتضاه حكمه القدري ، وحكمته التي يحمد عليها ، { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } أي : يكاد ضوء برق ذلك السحاب ، من شدته { يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ } أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفتقرين ، وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر ، كامل القدرة ، نافذ المشيئة ، واسع الرحمة ؟ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ} (43)

ومشهد آخر من مشاهد هذا الكون التي يمر عليها الناس غافلين ؛ وفيها متعة للنظر ، وعبرة للقلب ، ومجال للتأمل في صنع الله وآياته ، وفي دلائل النور والهدى والإيمان :

ألم تر أن الله يزجي سحابا ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله ركاما ، فترى الودق يخرج من خلاله . وينزل من السماء من جبال فيها من برد ، فيصيب به من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء ، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار . .

والمشهد يعرض على مهل وفي إطالة ، وتترك أجزاؤه للتأمل قبل أن تلتقي وتتجمع . كل أولئك لتؤدي الغرض من عرضها في لمس القلب وإيقاظه ، وبعثه إلى التأمل والعبرة ، وتدبر ما وراءها من صنع الله .

إن يد الله تزجي السحاب وتدفعه من مكان إلى مكان . ثم تؤلف بينه وتجمعه ، فإذا هو ركام بعضه فوق بعض . فإذا ثقل خرج منه الماء ، والوبل الهاطل ، وهو في هيئة الجبال الضخمة الكثيفة ، فيها قطع البرد الثلجية الصغيرة . . ومشهد السحب كالجبال لا يبدو كما يبدو لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها ، فإذا المشهد مشهد الجبال حقا ، بضخامتها ، ومساقطها ، وارتفاعاتها وانخفاضاتها . وإنه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس ، إلا بعد ما ركبوا الطائرات .

وهذه الجبال مسخرة بأمر الله ، وفق ناموسه الذي يحكم الكون ؛ ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء . . وتكملة المشهد الضخم : ( يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار )ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض ، على طريقة التناسق في التصوير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ} (43)

يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة ، وهو الإزجاء { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أي : يجمعه بعد تفرقه ، { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا } أي : متراكمًا ، أي : يركب بعضه بعضًا ، { فَتَرَى الْوَدْقَ } أي المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } أي : من خَلَله . وكذا{[21286]} قرأها ابن عباس والضحاك .

قال عبيد بن عمير الليثي : يبعث الله المثيرة فَتَقُمّ الأرض قمًّا ، ثم يبعث الله الناشئة فتنشئ السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه ، ثم يبعث [ الله ]{[21287]} اللواقح فتلقح السحاب . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .

وقوله : { وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ } : قال بعض النحاة : " من " الأولى : لابتداء الغاية ، والثانية : للتبعيض ، والثالثة : لبيان الجنس . وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله : { مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ } ومعناه : أن في السماء جبالَ بَرَد ينزل الله منها البرد . وأما من جعل الجبال ههنا عبارة{[21288]} عن السحاب ، فإن " من " الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا ، لكنها بَدَل من الأولى ، والله أعلم .

وقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } يحتمل أن يكون المراد بقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ } أي : بما ينزل من السماء من نوعي البرد والمطر{[21289]} فيكون قوله : { فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ } رحمة لهم ، { وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } أي : يؤخر عنهم الغيث .

ويحتمل أن يكون المراد بقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ } أي : بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم . ويصرفه عمن يشاء [ أي : ]{[21290]} رحمة بهم .

وقوله : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ } أي : يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته .


[21287]:- زيادة من ف.
[21288]:- في ف ، أ : "كناية".
[21289]:- في ف : "المطر والبرد".
[21290]:- زيادة من ف ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ} (43)

{ ألم تر أن الله يزجي سحابا } يسوقه ومنه البضاعة المزجاة فإنه يزجيها كل أحد . { ثم يؤلف بينه } بأن يكون قزعا فيضم بعضه إلى بعض ، وبهذا الإعتبار صح بينه إذ المعنى بي أجزائه ، وقرأ نافع برواية ورش " يولف " غير مهموز . { ثم يجعله ركاما } متراكما بعضه فوق بعض . { فترى الودق } المطر . { يخرج من خلاله } من فتوقه جمع خلل كجبال في جبل ، وقرىء من " خلله " . { وينزل من السماء } من الغمام وكل ما علاك فهو سماء . { من جبال فيها } من قطع عظام تشبه الجبال في عظمها أو جمودها . { من برد } بيان للجبال والمفعول محذوف أي { ينزل } مبتدأ { من السماء من جبال فيها من برد } بردا ، ويجوز أن تكون من الثانية أو الثالثة للتبغيض واقعة موقع المفعول ، وقيل المراد بالسماء المظلة وفيها جبال من برد كما في الأرض جبال من حجر وليس في العقل قاطع يمنعه والمشهور أن الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحللها حرارة فبلغت الطبقة الباردة من الهواء وقوي البرد هناك اجتمع وصار سحابا ، فإن لم يشتد البرد تقاطر مطرا ، وإن اشتد فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها نزل ثلجا والإنزال بردا ، ووقد يبرد الهواء بردا مفرطا فينقبض وينعقد سحابا . وينزل منه المطر أو الثلج وكل ذلك لا بد أن يستند إلى إرادة الواجب الحكيم لقيام الدليل على أنها الموجبة لاختصاص الحوادث بمحالها وأوقاتها وإليها أشار بقوله :

{ فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء } والضمير لل{ برد } . { يكاد سنا برقه } ضوء برقه ، وقرئ بالمد بمعنى العلو وبإدغام الدال في السين و{ برقه } بضم الباء وفتح الراء وهو جمع برقة وهي المقدار من البرق كالغرفة وبضمها للاتباع . { يذهب بالأبصار } بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة وذلك أقوى دليل على كمال قدرته من حيث إنه توليد للضد من الضد ، وقرئ { يذهب } على زيادة الباء .