معاني القرآن للفراء - الفراء  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ} (43)

وقوله : { يُزْجِي سَحاباً 43 } يسوقه حيث يريد . والعرب تقول : نحن نُزْجى المطِيّ أي نسوقه .

وقوله { يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } يَقول القائل : بين لا تصلح إلاّ مضَافة إلى اثنين فما زاد ، فكيف قال { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } وإنما هو واحدٌ ؟ قلنا : هو واحد في اللفظ ومعناه جميع ؛ ألا ترى قوله { يُنْشِئُ السَّحابَ الثِقَالَ } ألا ترى أن واحدَتُه سَحابَة ، فإذا ألقيت الهاء كان بمنزلة نخلةٍ ونخلٍ وشجرة وشجر ، وأنت قائل : فلان بين الشجرة وبين النخل ، فصَلحت ( بين ) مع النخل واحده لأنه جمع في المعنى . والذي لا يصلح من ذلكَ قولك : المال بين زيد ، فهذا خطأ حتى تقول : بين زيد وعمرو وإن نويت بزيد أنه اسم لقبيلة جَاز ذلكَ ؛ كما تقول : المال بين تميم تريد : المال بين بنى تميم وقد قال الأشهب بن رُمَيلةَ :

قفا نسألْ منازل آل ليلى *** بتُوضِح بين حَوْملَ أو عُرَادا

أراد بحومَل منزلاً جامعاً فصلحت ( بين ) فيه لأنه أراد بين أهل حومل أو بين أهل عُرَاد .

وقوله { فَتَرَى الْوَدْقَ } الوَدْق : المطَرُ .

وقوله { فَيُصِيبُ بِهِ مَن يشاء } يعذّب به من يشاء .

قوله { مِن جِبَالٍ فِيها مِن بَرَدٍ } والمعنى - والله أعلم - أَن الجبال في السَّماء من بردِ خِلقةً مخلوقة . كما تقول في الكلام . الآدميُّ من لحمٍ ودم ف ( من ) ها هنا تسقط فتقول : الآدميُّ لحمٌ ودمٌ ، والجبال بَرد ، وكذا سَمعت تفسيره . وقد يكون في العربيَّة أمثال الجبال ومقاديرُها منَ البَرَد ، كما تقول : عندي بيتان تِبنا ، والبَيتان ليسَا من التبن ، إنما تريد : عندي قدر بيتين من التبن ، فمنْ في هذا الموضع إذا أُسقطت نصبت ما بعدها ، كما قال { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما } وكما قال { مِلءُ الأرْضِ ذهباً } .

وقوله { يَكَادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ } وقد قرأها أبو جعفر ( يُذْهِبُ بالأبصارِ )129 ا .