معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

قوله تعالى : { و كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير } . قرأ ابن كثير وكائن بالمد والهمزة على وزن كاعن ، وبتليين الهمزة أبو جعفر ، وقرأ الآخرون " و كأين " بالهمزة والتشديد على وزن كعين ، ومعناه : وكم ، وهي كاف التشبيه ضمت إلى أي الاستفهامية ، ولم يقع للتنوين صورة في الخط إلا في هذا الحرف خاصة ، ويقف بعض القراء على وكأين بلا نون ، والأكثرون على الوقوف بالنون ، قوله قاتل : قرأ ابن كثير ، و نافع ، وأهل البصرة ، بضم القاف ، وقرأ الآخرون ( قاتل ) فمن قرأ ( قاتل ) فلقوله : فما وهنوا . ويستحيل وصفهم بأنهم لم يهنوا بعدما قتلوا ، لقول سعيد بن جبير :ما سمعنا أن نبياً قتل في القتال ، ولأن قاتل أعم . قال أبو عبيد : إن الله تعالى إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلاً فيه ، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه غيرهم ، فكان قاتل أعم . ومن قرأ قتل فله ثلاثة أوجه : أحدهما أن يكون القتل راجعاً إلى النبي وحده ، فيكون تمام الكلام عند قوله قتل ، ويكون في الآية إضمار معناه ومعه ربيون كثير ، كما يقال : قتل فلان معه جيش كثير ، أي ومعه . والوجه الثاني : أن يكون القتل نال النبي ومن معه من الربيين ، ويكون المراد : بعض من معه ، تقول العرب قتلنا بني فلان ، وإنما قتلوا بعضهم ، ويكون قوله ( فما وهنوا ) راجعاً إلى الباقين . والوجه الثالث : أن يكون القتل للربيين لا غير . وقوله ( ربيون كثير ) قال ابن عباس ومجاهد وقتاده : جموع كثيرة ، وقال ابن مسعود : الربيون الألوف وقال الكلبي : الربية الواحدة عشرة آلاف ، وقال الضحاك : الربية الواحدة : ألف ، وقال الحسن : فقهاء علماء وقيل :هم الأتباع ، والربانيون والربيون ولاة الرعية وقيل : منسوب إلى الرب ، وهم الذين يعبدون الرب .

قوله تعالى : { فما وهنوا } . أي فما جبنوا .

قوله تعالى : { لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا } . عن الجهاد بما نالهم من ألم الجراح ، وقتل الأصحاب . قوله تعالى : { وما استكانوا } . قال مقاتل : وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم ، وقال السدي : وما ذلوا ، وقال عطاء : وما تضرعوا ، وقال أبو العالية : وما جبنوا ولكن صبروا على أمر ربهم ، وطاعة نبيهم ، وجهاد عدوهم .

قوله تعالى : { والله يحب الصابرين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

{ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }

هذا تسلية للمؤمنين ، وحث على الاقتداء بهم ، والفعل كفعلهم ، وأن هذا أمر قد كان متقدما ، لم تزل سنة الله جارية بذلك ، فقال : { وكأين من نبي } أي : وكم من نبي { قاتل معه ربيون كثير } أي : جماعات كثيرون من أتباعهم ، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة ، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك .

{ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا } أي : ما ضعفت قلوبهم ، ولا وهنت أبدانهم ، ولا استكانوا ، أي : ذلوا لعدوهم ، بل صبروا وثبتوا ، وشجعوا أنفسهم ، ولهذا قال : { والله يحب الصابرين }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

121

ثم يضرب الله للمسلمين المثل من إخوانهم المؤمنين قبلهم . من موكب الإيمان اللاحب الممتد على طول الطريق ، الضارب في جذور الزمان . . من أولئك الذين صدقوا في إيمانهم ، وقاتلوا مع أنبيائهم ، فلم يجزعوا عند الابتلاء ؛ وتأدبوا - وهم مقدمون على الموت - بالأدب الإيماني في هذا المقام . . مقام الجهاد . . فلم يزيدوا على أن يستغفروا ربهم ؛ وأن يجسموا أخطاءهم فيروها " إسرافا " في أمرهم . وأن يطلبوا من ربهم الثبات والنصر على الكفار . . وبذلك نالوا ثواب الدارين ، جزاء إحسانهم في أدب الدعاء ، وإحسانهم في موقف الجهاد . وكانوا مثلا يضربه الله للمسلمين :

( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير ، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا وما استكانوا . والله يحب الصابرين . وما كان قولهم إلا أن قالوا : ربنا اغفر لنا ذنوبنا ، وإسرافنا في أمرنا ؛ وثبت أقدامنا ؛ وانصرنا على القوم الكافرين . فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة . والله يحب المحسنين ) . .

لقد كانت الهزيمة في " أحد " ، هي أول هزيمة تصدم المسلمين ، الذين نصرهم الله ببدر وهم ضعاف قليل ؛ فكأنما وقر في نفوسهم أن النصر في كل موقعة هو السنة الكونية . فلما أن صدمتهم أحد ، فوجئوا بالابتلاء كأنهم لا ينتظرونه !

ولعله لهذا طال الحديث حول هذه الواقعة في القرآن الكريم . واستطرد السياق يأخذ المسلمين بالتأسية تارة ، وبالاستنكار تارة ، وبالتقرير تارة ، وبالمثل تارة ، تربية لنفوسهم ، وتصحيحا لتصورهم ، وإعدادا لهم . فالطريق أمامهم طويل ، والتجارب أمامهم شاقة ، والتكاليف عليهم باهظة ، والأمر الذي يندبون له عظيم .

والمثل الذي يضربه لهم هنا مثل عام ، لا يحدد فيه نبيا ، ولا يحدد فيه قوما . إنما يربطهم بموكب الإيمان ؛ ويعلمهم أدب المؤمنين ؛ ويصور لهم الابتلاء كأنه الأمر المطرد في كل دعوة وفي كل دين ؛ ويربطهم بأسلافهم من اتباع الأنبياء ؛ ليقرر في حسهم قرابة المؤمنين للمؤمنين ؛ ويقر في أخلادهم أن أمر العقيدة كله واحد . وإنهم كتيبة في الجيش الإيماني الكبير :

( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير . فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ) . .

. . وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة . فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم من البلاء والكرب والشدة والجراح . وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح ، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء . . فهذا هو شأن المؤمنين ، المنافحين عن عقيدة ودين . .

( والله يحب الصابرين ) . .

الذين لا تضعف نفوسهم ، ولا تتضعضع قواهم ، ولا تلين عزائمهم ، ولا يستكينون أو يستسلمون . . والتعبير بالحب من الله للصابرين . له وقعه . وله إيحاؤه . فهو الحب الذي يأسو الجراح ، ويمسح على القرح ، ويعوض ويربو عن الضر والقرح والكفاح المرير !

/خ179

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

ثم قال تعالى - مسليًا للمسلمين{[5800]} عما كان وقع في نفوسهم يوم أُحُد - : { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } قيل : معناه : كم من نبي قُتِل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير . وهذا القول هو اختيار ابن جرير ، فإنه قال : وأما الذين قرؤوا : { قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } فإنهم قالوا : إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم ، وإنما نفي الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل .

قال : ومن قرأ { قَاتَلَ } فإنه اختار ذلك لأنه قال : لو قتلوا{[5801]} لم يكن لقوله : { فَمَا وَهَنُوا } وجه معروف ؛ لأنهم يستحيل أن يُوصَفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا .

ثم اختار قراءة من قرأ { قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } ؛ لأن الله [ تعالى ] {[5802]} عاتب بهذه الآيات والتي{[5803]} قبلها من انهزم يوم أحد ، وتركوا القتال أو سمعوا الصائح يصيح : " إن{[5804]} محمدا قد قتل " . فعذلهم الله على فرارهم وترْكِهم القتال فقال لهم : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ } أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم ؟ .

وقيل : وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير{[5805]} .

وكلام ابن إسحاق في السيرة يقتضي قولا آخر ، [ فإنه ]{[5806]} قال : أي وكأين من نبي أصابه القتل ، ومعه ربيون ، أي : جماعات فما وهنوا بعد نبيهم ، وما ضعفوا عن عدوهم ، وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم ، وذلك الصبر ، { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } .

فجعل قوله : { مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } حالا وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه ، وله اتجاه لقوله : { فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ } الآية ، وكذلك حكاه الأموي في مغازيه ، عن كتاب محمد بن إبراهيم ، ولم يقل {[5807]} غيره .

وقرأ بعضهم : { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } قال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن ابن

مسعود { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } أي : ألوف .

وقال ابن عباس ، ومجاهد وسعيد بن جُبَير ، وعِكْرِمة ، والحسن ، وقتادة ، والسُّدِّي ، والرَّبِيع ، وعطاء الخراساني : الربيون : الجموع الكثيرة .

وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر عن الحسن : { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } أي : علماء كثير ، وعنه أيضًا : علماء صبر أبرار أتقياء .

وحكى ابن جرير ، عن بعض نحاة البصرة : أن الربيين هم الذين يعبدون الرب ، عز وجل ، قال : ورد بعضهم عليه قال : لو كان كذلك لقيل رَبيون ، بفتح الراء .

وقال ابن زيد : " الربيون : الأتباع ، والرعية ، والربابيون :{[5808]} الولاة .

{ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا } قال قتادة والربيع بن أنس : { وَمَا ضَعُفُوا } بقتل نبيهم { وَمَا اسْتَكَانُوا } يقول : فما ارتدوا عن نصرتهم ولا عن دينهم ، أنْ قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله .

وقال ابن عباس { وَمَا اسْتَكَانُوا } تَخَشَّعوا . وقال السُّدِّي وابن زيد : وما ذلوا لعدوهم .

وقال محمد بن إسحاق ، وقتادة والسدي : أي ما أصابهم ذلك حين قُتِل نبيهم . { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }


[5800]:في جـ، ر، أ، و: "للمؤمنين".
[5801]:في جـ: "لأنه لو قتلوا"، وفي ر: "فإنه قال لو قتلوا".
[5802]:زيادة من و.
[5803]:في و: "الذي".
[5804]:في ر: "بأن".
[5805]:في و: "وقيل: وكم من نبي قتل معه ربيون كثير".
[5806]:زيادة من جـ.
[5807]:في جـ، أ، و: "ولم يحك".
[5808]:في جـ، ر: "الربانيون".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر بما لقيت الأنبياء والمؤمنون قبلهم يعزيهم ليصبروا، فقال سبحانه: {وكأين من نبي}، وكم من نبي {قاتل معه} قبل محمد {ربيون كثير}، يعني الجمع الكثير، {فما وهنوا}، يعني فما عجزوا لما نزل بهم من قبل أنبيائهم وأنفسهم، {لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا}، يعني خضعوا لعدوهم، {وما استكانوا}، يعني وما استسلموا، يعني الخضوع لعدوهم بعد قتل نبيهم، فصبروا {والله يحب الصابرين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله تعالى: {قُتِل مَعَهُ رِبّيُون كَثِيرٌ}. اختلفت القراء في قراءة قوله: {قُتِل مَعَهُ رِبّيُون كَثِيرٌ} فقرأ ذلك جماعة من قراء الحجاز والبصرة: «قُتِل» بضم القاف، وقرأه جماعة أخرى بفتح القاف وبالألف، وهي قراءة جماعة من قراء الحجاز والكوفة. فأما من قرأ {قَاتَلَ} فإنه اختار ذلك لأنه قال: لو قتلوا لم يكن لقوله: {فمَا وهَنُوا} وجه معروف، لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا. وأما الذين قرأوا ذلك: «قتل»، فإنهم قالوا: إنما عنى بالقتل النبيّ وبعض من معه من الربيين دون جميعهم، وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل. وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ بضمّ القاف: «قُتِل مَعَهُ رِبّيُون كَثِيرٌ» لأن الله عزّ وجلّ إنما عاتبَ بهذه الآية، والآيات التي قبلها من قوله: {أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنّة ولمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِين جاهَدُوا مِنْكُمْ} الذين انهزموا يوم أُحد، وتركوا القتال، أو سمعوا الصائح يصيح: إن محمدا قد قتل، فعذلهم الله عزّ وجلّ على فرارهم وتركهم القتال، فقال: أفَئِنْ مات محمد أو قتل أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم، وانقلبتم على أعقابكم؟ ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم وقال لهم: هلا فعلتم كما كان أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم من المضيّ على منهاج نبيهم والقتال على دينه أعداء دين الله على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم، ولم تهنوا ولم تضعفوا كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم، ولكنهم صبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم! وبذلك من التأويل جاء تأويل المتأوّل. وأما «الرّبّيّون»، فإنهم مرفوعون بقوله: «معه»، لا بقوله: «قتل».

وإنما تأويل الكلام: وكائن من نبيّ قتل ومعه ربيون كثير، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله. وفي الكلام إضمار واو، لأنها واو تدلّ على معنى حال قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم، غير أنه اجتزأ بدلالة ما ذكر من الكلام عليها من ذكرها، وذلك كقول القائل في الكلام: قتل الأمير معه جيش عظيم، بمعنى: قتل ومعه جيش عظيم. وأما الرّبّيّون، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه، فقال بعض نحويي البصرة: هم الذين يعبدون الربّ، واحدهم رِبّيّ. وقال بعض نحويي الكوفة: لو كانوا منسوبين إلى عبادة الربّ لكانوا «رَبّيون» بفتح الراء، ولكنه العلماء، والألوف، والرّبّيّونَ عندنا: الجماعة الكثيرة، واحدهم رِبّي، وهم جماعة. واختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم مثل ما قلنا... وقال آخرون:... علماء كثير...

وقال آخرون: الربيون: الأتباع...

القول في تأويل قوله: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أصَابَهُمْ في سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَما اسْتَكانُوا وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ}. يعني بقوله تعالى ذكره: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أصَابَهُمْ في سَبِيلِ اللّهِ}: فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل من قتل منهم عن حرب أعداء الله، ولا نكلوا عن جهادهم. {وَما ضَعُفُوا} يقول: وما ضعفت قواهم لقتل نبيهم. {وَما اسْتَكانُوا} يعني: وما ذلوا فيتخشعوا لعدوّهم بالدخول في دينهم، ومداهنتهم فيه، خيفة منهم، ولكن مضوا قدما على بصائرهم ومنهاج نبيهم، صبرا على أمر الله وأمر نبيهم وطاعة الله، واتباعا لتنزيله ووحيه. {وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ} يقول: والله يحبّ هؤلاء وأمثالهم من الصابرين لأمره وطاعته، وطاعة رسوله، في جهاد عدوّه، لا من فشل ففرّ عن عدوّه، ولا من انقلب على عقبيه فذلّ لعدوّه لأن قتل نبيه أو مات، ولا من دخله وهن عن عدوّه وضعف لفقد نبيه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

معنى الآية والله أعلم: وكم {من نبي} قتل وقتل {معه ربيون} فلم ينقلب أتباعه على أعقابهم بل كانوا بعد وفاتهم أشد اتباعا لهم من حال حياتهم قالوا: لن يبعث الله من بعده رسولا فما بالكم يخطر ببالكم الانقلاب على أعقابكم إذا أخبرتم أنه قتل نبيكم أو مات؟ وفي أنباء هذه الأمة وقصص الأمم الخالية وأخبارهم وجهان: أحدهما: دلالة إثبات رسالة الله محمد صلى الله عليه وسلم لانهم علموا أنه لم يختلف إلى أحد منهم ممن يعلم هذا، ثم أخبر بذلك، فكان ما أخبر فدل أنه علم ذلك بالله. والثاني: العمل بشرائعهم وسننهم إلا ما ظهر نسخه بشريعتنا. ألا ترى أنه ذكر محاسنهم وخيراتهم؟ وإنما ذكر ليتبعهم في ذلك ويقتدي بهم، وذكر مساوئهم وما لحقهم بها لينتهي عنها، و يكون على حذر مما أصابهم بذلك، والله أعلم...

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

قوله تعالى: {فما وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم في سَبِيلِ اللَّهِ وما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}؛ فإنه قيل في الوهن بأنه انكسار الجسد ونحوه، والضعف نقصان القوة. وقيل في الاستكانة إنها إظهار الضعف، وقيل فيه إنه الخضوع؛ فبيَّن تعالى أنهم لم يَهِنُوا بالخوف ولا ضعفوا لنقصان القوة ولا استكانوا بالخضوع... وفي هذه الآية الترغيب في الجهاد في سبيل الله والحضّ على سلوك طريق العلماء من صحابة الأنبياء والأمر بالاقتداء بهم في الصبر على الجهاد.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله:"والله يحب الصابرين" معناه يريد ثواب من صبر في جنبه في امتثال أمره، والقيام بواجباته التي من جملتها الجهاد في سبيل الله.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إنَّ الذين درجوا على الوفاء، وقاموا بحق الصفاء، ولم يرجعوا عن الطريق، وطالبوا نفوسهم بالتحقيق، وأخذوا عليها بالتضييق والتدقيق -وجدوا محبةَ الحقِّ سبحانه ميراثَ صبرِهم، وكان الخَلَف عنهم الحقُّ عند نهاية أمرهم، فما زاغوا عن شرط الجهد، ولا زاغوا في حفظ العهد، وسلّموا تسليماً، وخرجوا عن الدنيا وكان كلٌّ منهم للعهد مقيماً مستديماً، وعلى شرط الخدمة والوداد مستقيماً...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

المعنى: فما وهنوا عند قتل النبي {وَمَا ضَعُفُواْ} عن الجهاد بعده {وَمَا استكانوا} للعدوّ. وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم. حين أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبيّ في طلب الأمان من أبي سفيان...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أنه تعالى من تمام تأديبه قال للمنهزمين يوم أحد: إن لكم بالأنبياء المتقدمين وأتباعهم أسوة حسنة، فلما كانت طريقة أتباع الأنبياء المتقدمين الصبر على الجهاد وترك القار، فكيف يليق بكم هذا الفرار والانهزام...

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {قتل معه} والباقون {قاتل معه} فعلى القراءة الأولى يكون المعنى أن كثيرا من الأنبياء قتلوا والذين بقوا بعدهم ما وهنوا في دينهم، بل استمروا على جهاد عدوهم ونصرة دينهم، فكان ينبغي أن يكون حالكم يا أمة محمد هكذا. قال القفال رحمه الله: والوقف على هذا التأويل على قوله: (قتل) وقوله: (معه ربيون) حال بمعنى قتل حال ما كان معه ربيون، أو يكون على معنى التقديم والتأخير، أي وكأين من نبي معه ربيون كثير قتل فما وهن الربيون على كثرتهم، وفيه وجه آخر، وهو أن يكون المعنى وكأين من نبي قتل ممن كان معه وعلى دينه ربيون كثير فما ضعف الباقون ولا استكانوا لقتل من قتل من إخوانهم، بل مضوا على جهاد عدوهم، فقد كان ينبغي أن يكون حالكم كذلك، وحجة هذه القراءة أن المقصود من هذه الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياء لتقتدي هذه الأمة بهم، وقد قال تعالى: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} فيجب أن يكون المذكور قتل سائر الأنبياء لا قتالهم، ومن قرأ {قاتل معه} فالمعنى: وكم من نبي قاتل معه العدد الكثير من أصحابه فأصابهم من عدوهم قرح فما وهنوا، لأن الذي أصابهم إنما هو في سبيل الله وطاعته وإقامة دينه ونصرة رسوله، فكذلك كان ينبغي أن تفعلوا مثل ذلك يا أمة محمد. وحجة هذه القراءة أن المراد من هذه الآية ترغيب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في القتال، فوجب أن يكون المذكور هو القتال. وأيضا روي عن سعيد بن جبير أنه قال: ما سمعنا بنبي قتل في القتال...

قال الواحدي رحمه الله: أجمعوا على أن معنى «كأين» كم، وتأويلها التكثير لعدد الأنبياء الذين هذه صفتهم...

ثم قال تعالى: {والله يحب الصابرين} والمعنى أن من صبر على تحمل الشدائد في طريق الله ولم يظهر الجزع والعجز والهلع فإن الله يحبه، ومحبة الله تعالى للعبد عبارة عن إرادة إكرامه وإعزازه وتعظيمه، والحكم له بالثواب والجنة، وذلك نهاية المطلوب...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

أي وإذا كان يحب الصابرين أمثالهم، فعليكم أن تعتبروا بحالهم، فإن دين الله واحد، وسنته في خلقه واحدة، ولذلك هديتم إلى السنن، وأمرتم بمعرفة عاقبة من سبقكم من الأمم، فاقتدوا بعمل الصادقين الصابرين، وقولوا مثل قول أولئك الربيين.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يضرب الله للمسلمين المثل من إخوانهم المؤمنين قبلهم، من موكب الإيمان اللاحب الممتد على طول الطريق، الضارب في جذور الزمان.. من أولئك الذين صدقوا في إيمانهم، وقاتلوا مع أنبيائهم، فلم يجزعوا عند الابتلاء؛ وتأدبوا -وهم مقدمون على الموت- بالأدب الإيماني في هذا المقام.. مقام الجهاد.. فلم يزيدوا على أن يستغفروا ربهم؛ وأن يجسموا أخطاءهم فيروها "إسرافا "في أمرهم. وأن يطلبوا من ربهم الثبات والنصر على الكفار.. وبذلك نالوا ثواب الدارين، جزاء إحسانهم في أدب الدعاء، وإحسانهم في موقف الجهاد. وكانوا مثلا يضربه الله للمسلمين...

لقد كانت الهزيمة في "أحد"، هي أول هزيمة تصدم المسلمين، الذين نصرهم الله ببدر وهم ضعاف قليل؛ فكأنما وقر في نفوسهم أن النصر في كل موقعة هو السنة الكونية. فلما أن صدمتهم أحد، فوجئوا بالابتلاء كأنهم لا ينتظرونه! ولعله لهذا طال الحديث حول هذه الواقعة في القرآن الكريم. واستطرد السياق يأخذ المسلمين بالتأسية تارة، وبالاستنكار تارة، وبالتقرير تارة، وبالمثل تارة، تربية لنفوسهم، وتصحيحا لتصورهم، وإعدادا لهم. فالطريق أمامهم طويل، والتجارب أمامهم شاقة، والتكاليف عليهم باهظة، والأمر الذي يندبون له عظيم. والمثل الذي يضربه لهم هنا مثل عام، لا يحدد فيه نبيا، ولا يحدد فيه قوما. إنما يربطهم بموكب الإيمان؛ ويعلمهم أدب المؤمنين؛ ويصور لهم الابتلاء كأنه الأمر المطرد في كل دعوة وفي كل دين؛ ويربطهم بأسلافهم من اتباع الأنبياء؛ ليقرر في حسهم قرابة المؤمنين للمؤمنين؛ ويقر في أخلادهم أن أمر العقيدة كله واحد. وإنهم كتيبة في الجيش الإيماني الكبير: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير. فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا)...

وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة. فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم من البلاء والكرب والشدة والجراح. وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء.. فهذا هو شأن المؤمنين، المنافحين عن عقيدة ودين.. (والله يحب الصابرين).. الذين لا تضعف نفوسهم، ولا تتضعضع قواهم، ولا تلين عزائمهم، ولا يستكينون أو يستسلمون.. والتعبير بالحب من الله للصابرين. له وقعه. وله إيحاؤه. فهو الحب الذي يأسو الجراح، ويمسح على القرح، ويعوض ويربو عن الضر والقرح والكفاح المرير!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على قوله: {ومن ينقلب على عقبيه} [آل عمران: 144] الآية وما بينهما اعتراض، وهو عطف العبرة على الموعظة فإنّ قوله: {ومن ينقلب عقبيه} موعظة لمن يَهِمّ بالانقلاب، وقولَه: {وكأين من نبي قاتل} عبرة بما سلف من صبر أتباع الرسل والأنبياء عند إصابة أنبيائهم أو قتلهم، في حرب أو غيره، لمماثلة الحالين. فالكلام تعريض بتشبيه حال أصحاب أحُد بحال أصحاب الأنبياء السالفين لأنّ مَحَلّ المثل ليس هو خصوص الانهزام في الحرب بل ذلك هو الممثل. وأمَّا التَّشبيه فهو بصير الأتباع عند حلول المصائب أو موت المتبوع...

وقوله: {فما وهنوا} أي الربّيّون إذ من المعلوم أنّ الأنبياء لا يهنون فالقدوة المقصودة هنا، هي الاقتداء بأتباع الأنبياء، أي لا ينبغي أن يكون أتباع من مضى من الأنبياء، أجدر بالعزم من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وجمع بين الوهن والضّعف، وهما متقاربان تقارباً قريباً من الترادف؛ فالوهن قلَّة القدرة على العمل، وعلى النُّهوض في الأمر، وفعله كوعَد وورِث وكرُم. والضّعف بضم الضّاد وفتحها ضدّ القوّة في البدن، وهما هنا مجازان، فالأوّل أقرب إلى خور العزيمة، ودبيب اليأس في النُّفوس والفكر، والثَّاني أقرب إلى الاستسلام والفشل في المقاومة. وأمّا الاستكانة فهي الخضوع والمذلّة للعدوّ. ومن اللطائف ترتيبها في الذّكر على حسب ترتيبها في الحصول: فإنَّه إذا خارت العزيمة فَشِلت الأعضاء، وجاء الاستسلام، فتبعته المذلّة والخضوع للعدوّ. واعلموا أنَّه إذا كان هذا شأن أتباع الأنبياء، وكانت النُّبوءة هدياً وتعليماً، فلا بدع أن يكون هذا شأن أهل العلم، وأتباع الحقّ، أن لا يوهنهم، ولا يضعفهم، ولا يخضعهم، مقاومة مقاوم، ولا أذى حاسد، أو جاهل، وفي الحديث الصّحيح، في « البخاري»: أن خَبَّاباً قال للنَّبيء صلى الله عليه وسلم "لقد لقينا من المشركين شدّة ألاَ تدعُو الله "فقعد وهو محمّر وجهه فقال: "لقد كان مَن قبلكم لَيُمشَط بِمِشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضَع المنشار على مَفْرِق رأسه فيُشَقّ باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه" الحديث.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{والله يحب الصابرين} الله سبحانه وتعالى يشير بهذا إلى أن الذين لا يصيبهم وهن بسبب اشتداد المعركة ولا ضعف ولا ذل ولا استكانة واستسلام هم الصابرون حقا وصدقا.والله سبحانه وتعالى يحبهم. ونقف هنا وقفة قصيرة عند معنى الصبر، واستحقاقه للمحبة لا لمطلق الجزاء، إن الصبر ليس هو احتمال الشدائد،فقط،بل هو ألا يتضعضع عند نزولها، وإلا يضطرب التفكير عند اشتداد الشديدة، وان تنفى مطامع النفس إلا ما كان منها إجابة لداعي الحق ونصرته، وان تخلص القلوب عن شوائب الشهوات فلا تخضع لها ولا تذل، بل تتحكم كل نفس في أهوائها، وألا يكون أنين ولا شكوى ولا ضجيج، وهذا هو الذي سمى الصبر الجميل، والصبر على هذا المعنى هو أجل الصفات الإنسانية وأكملها؛ لأنه ضبط النفس، وكمال العقل، وسيطرة الحكمة وقوة الجنان، وهو يتضمن في ثناياه معنى الشكر، فهو عنصر من عناصره،، ومظهر من مظاهره، وكان الجزاء أعلى جزاء، وهو المحبة من الله، ومحبة الله تعالى تتضمن رضوانه، وتتضمن ثوابه، وهي مرتبة أعلى منهما، ولا ينالهما إلا الصابرون.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

قوله الحق {رِبِّيُّونَ} أي ناس فقهاء فاهمون سبل الحرب، و "ربيون "أيضا تعني أتباعا يقاتلون، و "ربيون" يمكن أن ينصرف معناها إلى أن منهجهم إلهي مثل "الربانيين"...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

المجاهدون السابقون:

بعد استعراض حوادث معركة «أُحد» في الآيات السابقة، جاءت الآيات الحاضرة لتحث المسلمين على التضحية والثبات وتشجعهم وتثبتهم بذكر تضحيات من سبقوهم من أصحاب الرسل الماضين وأتباعهم المؤمنين الصادقين الأبطال، وتوبخ ضمناً أُولئك الذين فروا في «أُحد» وحدثوا أنفسهم بما حدثوا، إذ يقول سبحانه: في الآية الأُولى من هذه الآيات: (وكأين 36 من نبي قاتل معه ربيون 37 كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله) فأنصار الأنبياء إذا واجهوا المصاعب والجراحات والشدائد في قتالهم الأعداء لم يشعروا بالضعف والهوان أبداً، ولم يخضعوا للعدو أو يستسلموا له، ومن البديهي أن الله تعالى يحب مثل هؤلاء الأشخاص الذين يثبتون ويصبرون في القتال (وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين).