تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

الآية 146 وقوله تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير } قيل فيه لغات{[4484]} :

أحدهما : قاتل معه بالألف وتأويله وكم : { من نبي قاتل معه ربيون كثير } فقيل على الإضمار : ( وقاتل ) {[4485]}

والثانية{[4486]} : { وكأين من نبي } قتل { معه ربيون كثير } برفع القاف .

والثالثة{[4487]} : { وكأين من نبي } قتل { معه ربيون كثير } قتل بالنصب ومعنى الآية والله أعلم : وكم { من نبي } ( قتل وقتل ) {[4488]} { معه ربيون } فلم ينقلب أتباعه على أعقابهم بل كانوا بعد وفاتهم أشد اتباعا لهم من حال حياتهم قالوا : لن يبعث الله من بعده رسولا فما بالكم يخطر ببالكم الانقلاب على أعقابكم إذا أخبرتم أنه قتل نبيكم أو مات ؟

وفي أنباء هذه الأمة وقصص الأمم الخالية وأخبارهم وجهان :

أحدهما : دلالة إثبات رسالة الله محمد صلى الله عليه وسلم لانهم علموا أنه لم يختلف إلى أحد منهم ممن يعلم هذا ، ثم أخبر بذلك ، فكان ما أخبر فدل أنه علم ذلك بالله .

والثاني : العمل بشرائعهم وسننهم إلا ما ظهر نسخه بشريعتنا . ألا ترى أنه ذكر محاسنهم وخيراتهم ؟ وإنما ( ذكر ) {[4489]} ليتبعهم في ذلك ويقتدي بهم ، وذكر مساوئهم وما لحقهم بها لينتهي عنها ، و يكون على حذر مما أصابهم بذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ربيون كثير } اختلف فيه : عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( عالم كثير ) وعنه : ( الجموع الكثيرة ) وعن الحسن رحمه الله مثله وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( الألوف ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير } يقول : قاتل ألا ترى أنه يقول : { فما رهنوا لما أصابهم } ؟

ثم اختلف في قوله : { فما وهنوا } { وما ضعفوا } قيل : { فما وهنوا } في الدين { وما ضعفوا } في أنفسهم في قتال عدوهم بذهاب النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم فما بالكم تضعفون أنتم ؟

ويحتمل قوله : { فما وهنوا لما أصابهم } يعني فما عجزوا لما نزل بهم من قتل أنبيائهم { وما ضعفوا } في أنفسهم لما أصابهم في سبيل الله من البلايا وقيل : قوله عز وجل : { فما وهنوا } يرجع { قاتل } إلى المقاتلين ، وقَتَل{[4490]} إلى الباقين .

وقوله تعالى : { وما استكانوا } قيل : لم يزِلوا في عدو لهم ولم يخضعوا{[4491]} لقتل نبيهم بل قاتلوا ( بعده على ما قاتلوا معه ) {[4492]} إذا أصيب أنبياؤهم ؟ والله أعلم { والله يحب الصابرين } على قتال عدوهم وعلى كل مصيبة تصيبهم .


[4484]:انظر معجم القراءات القرآنية (1/589)
[4485]:ساقطة من الأصل و م.
[4486]:في الأصل و م: والثاني
[4487]:في الأصل و م: والثالث
[4488]:في الأصل و م: {قاتل}
[4489]:من م، ساقطة من الأصل.
[4490]:في الأصل و م: في قتل.
[4491]:من م، في الأصل يحفظوا.
[4492]:في الأصل: معه في م، معه على ما قتلوا عليه.