وقوله : { وَكَأَيّن } قال الخليل ، وسيبويه : هي ، " أي " دخلت عليها كاف التشبيه ، وثبتت معها ، فصارت بعد التركيب بمعنى " كم " ، وصوّرت في المصحف " نوناً " ، لأنها كلمة نقلت عن أصلها ، فغير لفظها لتغيير معناها ، ثم كثر استعمالها ، فتصرّفت فيها العرب بالقلب ، والحذف ، فصار فيها أربع لغات قرئ بها : أحدها : كائن مثل كاعن ، وبها قرأ ابن كثير ، ومثله قول الشاعر :
وَكَائِن بِالأبَاطِح مِن صَديق *** تراه لَوْ أصِبْتُ هو المُصَابَا
وَكائِن رَدَدْنا عنكم مِن مُدَجَّج *** بحي أمَامَ الرَّكْب يَرِدي مُقَنَّعا
وَكَائِنُ تَرى مِن مُعْجَبٍ لَكَ شَخْصه *** زَيَادته أوْ نَقْصه فِي التَّكلُمِ
{ وكأين } بالتشديد مثل كعين ، وبه قرأ الباقون ، وهو الأصل . والثالثة : كأين مثل كعين مخففاً . والرابعة كيئن بياء بعدها همزة مكسورة ، ووقف أبو عمرو بغير نون ، فقال كأي : لأنه تنوين ، ووقف الباقون بالنون . والمعنى : كثير من الأنبياء قتل معه ربيون قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب " قتل " على البناء للمجهول ، وهي قراءة ابن عباس ، واختارها أبو حاتم ، وفيه وجهان : أحدهما أن يكون في «قتل » ضمير يعود إلى النبيّ ، وحينئذ يكون قوله : { مَعَهُ رِبّيونَ } جملة حالية ، كما يقال : قتل الأمير معه جيش ، أي : ومعه جيش ، والوجه الثاني : أن يكون القتل ، واقعاً على ربيون ، فلا يكون في قتل ضمير ، والمعنى : قتل بعض أصحابه ، وهم الربيون .
وقرأ الكوفيون ، وابن عامر : { قاتل } وهي قراءة ابن مسعود ، واختارها أبو عبيد ، وقال : إن الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلاً فيه ، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه من قاتل ، ولم يقتل ، فقاتل أعمّ ، وأمدح ، ويرجح هذه القراءة الأخرى . والوجه الثاني من القراءة الأولى قول الحسن : ما قتل نبيّ في حرب قط ، وكذا قال سعيد بن جبير ، " والربيون " بكسر الراء قراءة الجمهور ، وقرأ عليّ بضمها ، وابن عباس بفتحها ، وواحده ربي بالفتح منسوب إلى الرب ، والربي بضم الراء ، وكسرها منسوب إلى الربة بكسر الراء ، وضمها ، وهي الجماعة ، ولهذا ، فسرهم جماعة من السلف بالجماعات الكثيرة ، وقيل : هم الأتباع ؛ وقيل : هم العلماء . قال الخليل : الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء ، وهم الربانيون نسبوا إلى التأله ، والعبادة ، ومعرفة الربوبية . وقال الزجاج : الربيون بالضم : الجماعات . قوله : { فَمَا وَهَنُوا } عطف على قاتل ، أو قتل . والوهن : انكسار الجدّ بالخوف . وقرأ الحسن : «وهنوا » بكسر الهاء ، وضمها . قال أبو زيد : لغتان وهن الشيء يهن ، وهناً : ضعف ، أي : ما وهنوا لقتل نبيهم ، أو لقتل من قتل منهم . { وما ضعفوا } أي : عن عدوّهم { وَمَا استكانوا } لما أصابهم في الجهاد . والاستكانة : الذلة ، والخضوع ، وقرئ : «وما وهنوا وما ضعفوا » بإسكان الهاء ، والعين . وحكى الكسائي " ضعفوا " بفتح العين ، وفي هذا توبيخ لمن انهزم يوم أُحد ، وذلّ ، واستكان ، وضعف بسبب ذلك الإرجاف الواقع من الشيطان ، ولم يصنع ، كما صنع أصحاب من خلا من قبلهم من الرسل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.