جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

{ وكأيّن } أصله أيّ دخلت الكاف عليها ، وصارت بمعنى كم ، وأثبتت النون في الخط ، وهي تنوين ، عليها ، وصارت بمعنى كم ، وأثبتت النون في الخط ، وهي تنوين ، ومعناه كم ، { من نبيّ قاتل معه ربّيون كثير } أي : جموع{[832]} كثيرة منسوب إلى الربة وهي الجماعة أو علماء كثير ، وفاعل قاتل ربيون{[833]} أو ضمير للنبي ومعه ربيون حال عنه ، { فما وَهَنوا } : ما فتروا { لِما أصابهم في سبيل الله } : من قتل بعضهم أو من قتل نبيهم{[834]} ، { وما ضعُفُوا } : عن العدو ، { وما استكانُوا }{[835]} : ما تخشعوا وما ذلوا لعدوهم { والله يحب{[836]} الصابرين } : فينصرهم في الدين .


[832]:فسر بذلك ابن عباس ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والحسن وقتادة، والسدي، وجماعة أخرى/12.
[833]:من ربانيون، والكسر والحذف من تغييرات النسب/12.
[834]:قال قتادة والربيع ومحمد بن إسحاق والسدي: ما أصابهم من قتل نبيهم/12.
[835]:أصل استكن من السكون؛ لأن الخاضع يكن لصاحبه ليفعل به ما يريد والألف من إشباع الفتحة، ومن استكون من الكون؛ لأنه يطلب من نفسه أن تكون لمن يخضع له/12.
[836]:والمعنى أن من صبر على تحمل الشدائد في طريق الله ولم يظهر الجزع والعجز والهلع – فإن الله يحبه، ومحبة الله للعبد ثابتة بالكتاب والسنة وكرر في مواضع من كتابه أثبتها له رسوله وشهد به سلف أمته، فليس لمن يؤمن بكتاب الله ويصدق رسوله أن ينكر أو يستبعد ذلك، نعم لمن يتبع الفلسفة أن يفسر ذلك برأيه ثم يحتمل التمحل في ذلك، أو فينفيه برأسه كقولهم: المحبة مناسبة بين المحب والمحبوب، ومناسبة الرب للخلق نقص، فيقال المناسبة لفظ مجمل فإن أراد بها التوالد والقرابة فيقال هذا نسب فلان ويناسبه إذا كان بينهما قرابة مستندة إلى الولادة، والله سبحانه منزه عن ذلك أو يراد بها المماثلة فيقال: هذا يناسب هذا أي يماثله، والله سبحانه أحد صمد لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد أو يراد بها موافقة في معنى من المعاني وضدها المخالفة والمناسبة بهذا الاعتبار ثابتة فإن أولياء الله يوافقونه فيما يأمر فيفعلونه، وفيما يحبه فيحبونه، وفيما هي عنه فيتركونه، وفيما يبغضه فيبغضونه، والله وتر يحب الوتر [صح ذلك عنه مرفوعا – صلى الله عليه وسلم – انظر صحيح الجامع (1829)] جميل يحب الجمال [صح ذلك عنه مرفوعا – صلى الله عليه وسلم – أخرجه مسلم في (الإيمان)] عليم يحب العلم نظيف يحب النظافة [ورد ذلك في حديث ضعيف، انظر ضعيف الجامع (1596)] محسن يحب المحسنين مقسط يحب المقسطين إلى غير ذلك من المعاني، بل هو سبحانه يفرح بتوبة التائب أعظم من فرح الفاقد لراحلته عليها طعامه، وشرابه في الأرض المهلكة إذا وجدها بعد اليأس، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته كما ثبت ذلك في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم [أخرجه البخاري في (الدعوات) (6308)، ومسلم في (التوبة) (2744)] فإذا أريد بالمناسبة هذا وأمثاله فهذه المناسبة حق، وهي من صفات الكمال كما تقدم الإشارة إليه فإن من يحب صفات الكمال أكمل ممن لا فرق عنده بين صفات النقص والكمال ولا يحب صفات الكمال وإذا قدر موجودان أحدهما يحب العلم والصدق والعدل والإحسان ونحو ذلك والآخر لا فرق عنده بين هذه الأمور وبين الجهل والكذب والظلم ونحو ذلك لا يحب هذا، ولا يبغض هذا كان الذي يحب تلك الأمور أكمل من هذا فدل على أن هذه من صفات الكمال والموجود إما ألا يكون له علم كالجماد فالذي يعلم أكمل منه والعالم إما أن يحب المحمود ويبغض المذموم، وإما ألا يحبهما، وإما أن يحبهما ومعلوم أن الذي يحب المحمود ويبغض المذموم أكمل ممن لا يحبهما أو يبغضهما وأصل هذه المسألة هي الفرق بين محبة الله ورضائه وغضبه وسخطه وإرادته كما هو مذهب السلف، ومن ذهب إلى أنه لا فرق بينهما فقوله مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجمعون على أنه لا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر وأن الكفار يبيتون ما لا يرضى من القول، والذين نفوا محبته بنوها على هذا الأصل الفاسد هكذا قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في بعض رسائله/12.