{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ } . قرأ الحسن وأبو جعفر : ( كاين ) مقصوراً بغير همزة ولا تشديد حيث وقع .
وقرأ مجاهد وابن كثير وشيبة : ( وكأين ) مهموزاً ممدوداً مخففاً على وزن فاعل ، وهو اختيار أبي عبيد ، اعتباراً بقول أُبي بن كعب لزر بن حبيش : ( كاين ) بعد سورة الأحزاب . فقال : كذا آية .
وقرأ ابن محيصن : ( كأي ) ممدوداً بغير نون .
وقرأ الباقون : ( وكأيّن ) مشدوداً بوزن كعَيّن ، وهي لغة قريش واختيار أبي حاتم ، وكلها لغات معروفة بمعنى واحد .
وكائن ترى في الحي من ذي صداقة *** و غيران يدعو ويله من حذاريا
كأين من أناس لم يزالوا *** أخوهم فوقهم وهم كرام
وجمع الآخر بين اللغتين ، فقال :
كأين أبدنا من عدوّ يغزنا *** وكأين أجرنا من ضعيف وخائف
ومعناه كم ، وهي كاف التشبيه ضمت إلى أي الاستفهام ، ولم يقع التنوين صورة في الخط إلاّ في هذا الحرف خاصة .
{ قُتل } . قرأ قتادة وابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب ( قتل ) : وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي حاتم .
وقرأ الآخرون : ( قاتل ) ، وهي قراءة ابن مسعود واختيار أبي عبيد ، فمن قرأ ( قاتل ) فلقوله : { فَمَا وَهَنُواْ } ويستحيل وصفهم بأنهم لم يُهنوا بعدما قُتلوا ، ولقول سعيد بن جبير : ما سمعنا أن نبياً قط قُتل في القتال .
وقال أبو عبيد : إن الله تعالى إذا حمد من قاتل كان من قُتل داخلا فيه ، وإذا حمد من قُتل خاصة لم يدخل فيه غيرهم ، فقاتل أعم .
ومن قرأ ( قتل ) فله ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون القتل واقعاً على النبي وحده ، وحينئذ يكون تمام الكلام عند قراءة ( قتل ) فيكون في الآية اضمار معناه ومعه { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } كما يقال : قتل الأمير معه جيش عظيم ، أي ومعه ، ويقول : خرجت معي تجارة ، أي ومعي .
والوجه الثاني : أن يكون القتل نال النبي ومعه من الربيين ، ويكون وجه الكلام : قتل بعض من كان معه ، تقول العرب : قتلنا بني تميم وبني فلان ، وإنما قتلوا بعضهم ويكون قوله : { فَمَا وَهَنُواْ } راجعاً إلى الباقين الذين لم يقتلوا .
والوجه الثالث : أن يكون القتل للربيين لا غير .
{ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } ، قرأ ابن مسعود وأبو رجاء والحسن وعكرمة : ( رُبيون ) بضم الراء ، وهي لغة بني تميم .
الباقون : بالكسر ، وهي اللغة الفاشية [ العالية ] .
والربيون جمع الربّية وهي الفرقة ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع .
وإذا معشر تجافوا عن الحق *** حملنا عليهم رُبيا
ابن مسعود : الربيون الألوف ، الضحاك : الربية الواحدة ألف ، الكلبي : الربية الواحدة عشر ألف ، الحسن : فقهاً علماً صبراً ، ابن زيد : هم الأتباع ، والرابيون : هم الولاة ، والربيون : الرعية ، وقال بعضهم : هم الذين يعبدون الرب ، والعرب تنسب الشيء إلى الشيء فيغير حركته كما يقول بصريٌّ منسوب إلى بصرة ، فكذلك ربيّون منسوب إلى الربّ ، وقال بعضهم : مطيعون منيبون إلى الله فما وهنوا .
قرأه العامة : بفتح الهاء ، وقرأ قعتب أبو السماك العدوي : بكسر الهاء ، فمن فتحه فهو من وَهن يهن وهناً ، مثل وعد يعِد وعداً ، قاله المبرد وأنشد :
إن القداح إذا اجتمعن فرامَها *** بالكسر ذو جَلد وبطش أيد
عزّت ولم تكسر وإن هي بددت *** قالوهن والتكسير للمتبدد
ومن كسر فهو من وَهِن يهن ، مثل وَرِم يرم قاله أبو حاتم .
فقال الكسائي : هو من وهن يوهن وهناً ، مثل وجل يوجل وجلاً .
طلب المعاش مفرق بين الأحبة والوطن *** ومصير جلد الرجال إلى الضّراعة والوهن
ومعنى الآية : فما ضعفوا عن الجهاد لما نالهم من ألم الجراح ، وقيل : الأصحاب وما عجزوا لقتل نبيّهم .
قال قتادة والربيع : يعني ما ارتدّوا عن بصيرتهم ودينهم ، ولكنهم قاتلوا على ما قاتل عليه نبيهم حتى لحقوا بالله ، السدي : وما ذلّوا ، عطاء : وما تضرّعوا ، مقاتل : وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم ، أبو العالية : وما جبنوا ، المفضل والقتيبي : وما خشعوا ، ومنه أخذ المسكين لذله وخضوعه وهو مفعيل منه ، مثل مِعطير من العِطر ومنديل من الندل ، وهو دفعه من واحد إلى آخر ، وأصل الندل السوق ، ولكنهم صبروا على أمر ربّهم وطاعة نبيّهم وجهاد عدوهم . { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.