معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

قوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون } قوله تعالى :{ إن الذي فرض عليك القرآن } أي : أنزل عليك القرآن على قول أكثر المفسرين ، وقال عطاء :أوجب عليك العمل بالقرآن ، { لرادك إلى معاد } إلى مكة ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو قول مجاهد . قال القتيبي : معاد الرجل : بلده ، لأنه ينصرف ثم يعود إلى بلده ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار مهاجراً إلى المدينة سار في غير الطريق مخافة الطلب ، فلما آمن ورجع إلى الطريق نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة اشتاق إليها ، فأتاه جبريل وقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ قال : نعم ، قال : فإن الله تعالى يقول : { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } وهذه الآية نزلت بالجحفة ليست بمكية ولا مدنية . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : { لرادك إلى معاد } إلى الموت . وقال الزهري وعكرمة : إلى القيامة . وقيل : إلى الجنة . { قل ربي أعلم من جاء بالهدى } أي : يعلم من جاء بالهدى ، وهذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك لفي ضلال ، فقال الله عز وجل : قل لهم ربي أعلم من جاء بالهدى ، أي : يعلم من جاء بالهدى يعني نفسه{ ومن هو في ضلال مبين } يعني المشركين ، ومعناه : أعلم بالفريقين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

{ 85-88 } { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

يقول تعالى { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ } أي : أنزله ، وفرض فيه الأحكام ، وبين فيه الحلال والحرام ، وأمرك بتبليغه للعالمين ، والدعوة لأحكام جميع المكلفين ، لا يليق بحكمته أن تكون الحياة هي الحياة الدنيا فقط ، من غير أن يثاب العباد ويعاقبوا ، بل لا بد أن يردك إلى معاد ، يجازي فيه المحسنون بإحسانهم ، والمسيئون بمعصيتهم .

وقد بينت لهم الهدى ، وأوضحت لهم المنهج ، فإن تبعوك ، فذلك حظهم وسعادتهم ، وإن أبوا إلا عصيانك والقدح بما جئت به من الهدى ، وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق ، فلم يبق للمجادلة محل ، ولم يبق إلا المجازاة على الأعمال من العالم بالغيب والشهادة ، والحق والمبطل . ولهذا قال : { قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وقد علم أن رسوله هو المهتدي الهادي ، وأن أعداءه هم الضالون المضلون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

والآن وقد انتهى القصص ، وانتهت التعقيبات المباشرة على ذلك القصص . الآن يتوجه الخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن خلفه القلة المسلمة التي كانت يومها بمكة . يتوجه الخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو مخرج من بلده ، مطارد من قومه ، وهو في طريقه إلى المدينة لم يبلغها بعد ، فقد كان بالجحفة قريبا من مكة ، قريبا من الخطر ، يتعلق قلبه وبصره ببلده الذي يحبه ، والذي يعز عليه فراقه ، لولا أن دعوته أعز عليه من بلده وموطن صباه ، ومهد ذكرياته ، ومقر أهله . يتوجه الخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو في موقفه ذاك :

( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) . .

فما هو بتاركك للمشركين ، وقد فرض عليك القرآن وكلفك الدعوة . ما هو بتاركك للمشركين يخرجونك من بلدك الحبيب إليك ، ويستبدون بك وبدعوتك ، ويفتنون المؤمنين من حولك . إنا فرض عليك القرآن لينصرك به في الموعد الذي قدره ، وفي الوقت الذي فرضه ؛ وإنك اليوم لمخرج منه مطارد ، ولكنك غدا منصور إليه عائد .

وهكذا شاءت حكمة الله أن ينزل على عبده هذا الوعد الأكيد في ذلك الظرف المكروب ، ليمضي [ صلى الله عليه وسلم ] في طريقه آمنا واثقا ، مطمئنا إلى وعد الله الذي يعلم صدقه ، ولا يستريب لحظة فيه .

وإن وعد الله لقائم لكل السالكين في الطريق ؛ وإنه ما من أحد يؤذى في سبيل الله ، فيصبر ويستيقن إلا نصره الله في وجه الطغيان في النهاية ، وتولى عنه المعركة حين يبذل ما في وسعه ، ويخلي عاتقه ، ويؤدي واجبه .

( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) . ولقد رد موسى من قبل إلى الأرض التي خرج منها هاربا مطاردا . رده فأنقذ به المستضعفين من قومه ، ودمر به فرعون وملأه ، وكانت العاقبة للمهتدين . . فامض إذن في طريقك ، ودع أمر الحكم فيما بينك وبين قومك لله الذي فرض عليك القرآن :

( قل : ربي أعلم من جاء بالهدى ، ومن هو في ضلال مبين ) . .

ودع الأمر لله يجازي المهتدين والضالين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدّكَ إِلَىَ مَعَادٍ قُل رّبّيَ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهُدَىَ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذي أنزل عليك يا محمد القرآن . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، في قوله إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرآنَ قال : الذي أعطاك القرآن .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرآنَ قال : الذي أعطاكه .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : لَرَادّكَ إلى مَعادٍ فقال بعضهم : معناه : لمصيرك إلى الجنة . ذكر من قال ذلك :

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشر ، عن خَصِيف ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : إلى معدِنِك من الجنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، قال : إلى الجنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن إبراهيم بن حبان ، سمعت أبا جعفر ، عن ابن عباس ، عن أبي سعيد الخدريّ لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : معاده آخرته الجنة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك ، في إِنّ الّذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرآن لرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : إلى الجنة ليسألك عن القرآن .

حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي صالح ، قال : الجنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي صالح لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : إلى الجنة .

حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك ، قال : يردّك إلى الجنة ، ثم يسألك عن القرآن .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد ، قالا : إلى الجنة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرِمة وعطاء ومجاهد وأبي قَزعة والحسن ، قالوا : يوم القيامة .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : يجيء بك يوم القيامة .

قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن والزهري ، قالا : معاده يوم القيامة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : يجيء بك يوم القيامة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عون ، عن الحسن ، في قوله لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : معادُك من الاَخرة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، في قوله لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : كان الحسن يقول : إيْ والله ، إن له لمعادا يبعثه الله يوم القيامة ، ويدخله الجنة .

وقال آخرون : معنى ذلك : لرادّك إلى الموت . ذكر من قال ذلك :

حدثني إسحاق بن وهب الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد الثوري ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : الموت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن رجل ، عن ابن عباس ، قال : إلى الموت .

قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن سعيد لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : إلى الموت .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السديّ عمن سمع ابن عباس ، قال إلى الموت .

حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : إلى الموت .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن سعيد بن جُبَير في قوله لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : الموت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عديّ بن ثابت ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : إلى الموت ، أو إلى مكة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لرَادّك إلى الموضع الذي خرجت منه ، وهو مكة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن سفيان العصفريّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : إلى مكة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس لَرَادّكَ إلى مَعَادٍ قال : يقول : لرادّك إلى مكة ، كما أخرجك منها .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : أخبرنا موسى بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، قال : مولده بمكة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن يونس ابن أبي إسحاق ، قال : سمعت مجاهدا يقول : لَرَادّكَ إلَى مَعَادٍ قال : إلى مولدك بمكة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا يونس بن عمرو ، وهو ابن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، في قوله : إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرآنَ لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : إلى مولدك بمكة .

حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، عن الفضيل بن مرزوق ، عن مجاهد أبي الحجاج ، في قوله : إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرآنَ لَرَادّكَ إلى مَعادٍ قال : إلى مولده بمكة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني عيسى بن يونس ، عن أبيه ، عن مجاهد قال : إلى مولدك بمكة .

والصواب من القول في ذلك عندي : قول من قال : لرادّك إلى عادتك من الموت ، أو إلى عادتك حيث وُلدت ، وذلك أن المعاد في هذا الموضع : المَفْعَل من العادة ، ليس من العَوْد ، إلاّ أن يوجّه مُوَجّه تأويل قوله : لَرَادّكَ لمصيرك ، فيتوجه حينئذٍ قوله إلى مَعادٍ إلى معنى العود ، ويكون تأويله : إن الذي فرض عليك القرآن لمُصَيّرك إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك .

فإن قال قائل : فهذه الوجوه التي وصفت في ذلك قد فهمناها ، فما وجه تأويل من تأوّله بمعنى : لرادّك إلى الجنة ؟ قيل : ينبغي أن يكون وجه تأويله ذلك كذلك على هذا الوجه الاَخر ، وهو لمصيرك إلى أن تعود إلى الجنة .

فإن قال قائل : أوَ كان أُخرج من الجنة ، فيقالَ له : نحن نعيدك إليها ؟ قيل : لذلك وجهان : أحدهما : أنه إن كان أبوه آدم صلّى الله عليهما أخرج منها ، فكأن ولده بإخراج الله إياه منها ، قد أخرجوا منها ، فمن دخلها فكأنما يُرد إليها بعد الخروج . والثاني أن يُقال : إنه كان صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة أُسرِي به ، كما رُوي عنه أنه قال : «دَخَلْتُ الجَنّةَ ، فَرأيْتُ فِيها قَصْرا ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا ؟ فَقالُوا لعُمَرَ بنِ الخطّابِ » ، ونحو ذلك من الأخبار التي رُويت عنه بذلك ، ثم رُدّ إلى الأرض ، فيقال له : إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك لمصيرك إلى الموضع الذي خرجت منه من الجنة ، إلى أن تعود إليه ، فذلك إن شاء الله قول من قال ذلك .

وقوله : قُلْ رَبّي أعْلَمُ مَنْ جاءَ بالهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : ربي أعلم مَن جاء بالهُدى الذي من سلكه نجا ، ومن هو في جور عن قصد السبيل منا ومنكم . وقوله : مُبِينٌ يعني أنه يُبِين للمفكر الفهم إذا تأمّله وتدبّره ، أنه ضلال وجور عن الهدى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

وأخبر تعالى أن السيئة لا يضاعف جزاؤها فضلاً منه ورحمة ، وقوله تعالى : { إن الذي فرض عليك القرآن } ، معناه أنزله عليك وأثبته ، والفرض أصله عمل فرضة في عود أو نحوه فكأن الأشياء التي تثبت وتمكن وتبقى تشبه ذلك الفرض ، وقال مجاهد معناه أعطاك القرآن وقالت فرقة في هذا القول حذف مضاف ، والمعنى «فرض عليك أحكام القرآن » ، واختلف المتأولون في معنى قوله { لرادك إلى معاد } ، فقال جمهور المتأولين : أراد إلى الآخرة ، أي باعثك بعد الموت ، فالآية على هذا مقصدها إثبات الحشر والإعلام بوقوعه ، وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري وغيرهما : «المعاد » الجنة وقال ابن عباس أيضاً وجماعة : «المعاد » الموت .

قال الفقيه الإمام القاضي : فكأن الآية على هذا واعظة ومذكرة ، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد «المعاد » مكة ، وهذه الآية نزلت في الجحفة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة ، قال أبو محمد : فالآية على هذا معلمة بغيب قد ظهر للأمة ومؤنسة بفتح ، و «المعاد » الموضع الذي يعاد إليه وقد اشتهر به يوم القيامة لأنه معاد الكل ، وقوله تعالى : { قل ربي أعلم } الآية ، آية متاركة للكفار وتوبيخ ، وأسند الطبري في تفسير قوله { لرادك إلى معاد } قال إلى الجنة ، قال وسماها معاداً إما من حيث قد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء وغيره وإما من حيث قد كان فيها آدم عليه السلام فهي معاد لذريته .

قال الفقيه الإمام القاضي : وإنما قال هذا من حيث تعطي لفظة «المعاد » أن المخاطب قد كان في حال يعود إليها وهذا وإن كان مما يظهر في اللفظ فيتوجه أن يسمى معاداً ما لم يكن المرء قط فيه تجوزاً ، ولأنها أحوال تابعة للمعاد الذي هو النشور من القبور .