محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ } أي أوجب عليك تلاوته على الناس ، وتبليغه إليهم ، وصدعهم به { لَرَادُّكَ } أي بعد الموت { إِلَى مَعَادٍ } أي مرجع عظيم . وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه . فتنوينه للتعظيم . ووجهه – كما في ( العناية ) – أن المعاد صار كالحقيقة في المحشر . لأنه ابتداء العودة إلى الحياة ، ورده إلى ما كان عليه فجعل معاده عظيما لعظمة مقامه فيه .

وقال ابن كثير : المعاد هو يوم القيامة . يسأله عما استرعاه من اعباء النبوة ، كما قال تعالى {[6021]} : { فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين } وقال تعالى {[6022]} : { يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم } وقال {[6023]} : { وجائ بالنبيين والشهدائ } وعن ابن عباس روايات : إلى يوم القيامة . إلى الموت . إلى الجنة أخرجت عنه من طرق . كما أسنده ابن كثير .

والذي رواه البخاري والنسائي وابن جرير عن ابن عباس قال : ( { لرادك } إلى مكة كما أخرجك منها ) . وعن الضحاك قال : ( لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة ، اشتاق إلى مكة . فنزلت الآية ) .

قال ابن كثير : وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية ، وإن كان مجموع السورة مكيا ، والله أعلم .

ثم قال : ووجه الجمع بين هذه الأقوال ، أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة ، وهو الفتح ، الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجل النبي صلى الله عليه وسلم . كما فسر ابن عباس سورة { إذا جاء نصر الله والفتح } أنه أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه ، وكان ذلك بحضرة عمر بن الخطاب ووافقه عمر على ذلك ، وقال : ( لا أعلم منها غير الذي تعلم ) . ولهذا فسر ابن عباس تارة أخرى قوله تعالى { لرادك إلى معاد } بالموت . وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت . وتارة بالجنة التي هي جزاؤه على أدائه رسالة الله وإبلاغها إلى الثقلين الجن والإنس . ولأنه أكمل خلق الله على الإطلاق . انتهى . { قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى } يعني نفسه الكريمة . أي بما يستحقه من المثوبة { وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } يعني المشركين . أي بما يستحقونه من العذاب . والجملة تقرير للوعيد السابق .


[6021]:(7 الأعراف 6).
[6022]:(5 المائدة 109).
[6023]:(39 الزمر 69).